الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 294 ] الكلام على البسملة


          حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار     بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
          حتى يرى خبرا من الأخبار     طبعت على كدر وأنت تريدها
          صفوا من الأقذار والأكدار     ومكلف الأيام ضد طباعها
          متطلب في الماء جذوة نار     وإذا رجوت المستحيل فإنما
          تبني الرجاء على شفير هار     فالعيش نوم والمنية يقظة
          والمرء بينهما خيال سار     والنفس إن رضيت بذلك أو أبت
          منقادة بأزمة المقدار     فاقضوا مآربكم عجالا إنما
          أعماركم سفر من الأسفار     وتراكضوا خيل الشباب وبادروا
          أن تسترد فإنهن عواري     والدهر يخدع بالمنى ويغص إن
          هنا ويهدم ما بنى ببوار     قد لاح في ليل الشباب كواكب
          إن أمهلت عادت إلى الأسفار

          لقد خرقت المواعظ المسامع ، وما أراه انتفع السامع ، ولقد بدا نور الهدى في المطالع لكنه قد عمي المطالع ، ولقد بانت عبر من غبر لمن عبر المصارع ، فما بالها ما انسكبت المدامع ، يا من شبابه قد مضى هل ما مضى من العمر راجع ، تيقظ ، الحذر ثم اعتذر وراجع ، فالهول شديد والحساب دقيق والطريق شاسع ، إن عذاب ربك لواقع .

          أيها المطمئن إلى الدنيا وهي تطلبه بذحل ، قد مرضت عين بصيرته فيها فما ينفع الكحل ، يتبختر في رياضها وما ثم إلا وحل ، اقبل نصحي واشدد الرحل عن محل المحل ، وتأمر على نفسك فللنحل فحل .


          أيا صاح نهى الصاحي     بحبل منك مدارك
          إلى كم مع دنياك     وتلك المومس الفارك
          تخون الأول العهد     فخل العرس أو شارك
          متى يلحقني بالركب     هذا الجمل البارك
          ألا قد ذهب الناس     ونضوي رازم بارك

          آه لنفس انفصلت ساعاتها وما حصلت طاعاتها ، تبعتها تبعاتها وما نفعتها دعاتها ، شهورها وجمعاتها ومجالسها وجماعاتها ، ومذكروها ودعاتها وقصائدها ومسجعاتها ، والدنيا ولسعاتها ، والمحن وجزعاتها ، والمنون ووقعاتها ، وما لانت مع هذا ممتنعاتها ، ولا خفت من رقاد الغفلة هجعاتها ، يا من قد شاب أقبل على شأنك ، واكشف هذا [ ص: 295 ] الحجاب وأسبل دمع شانك ، خلعت خلعة الشباب وكانت عارية ، ولبست ثوبا تخلعه في البرية ، فدع الهوى ودع كل بلية ، فقد أنار الهدى بمصابيح جلية .


          سار الشباب فلم نعرف له خبرا     ولا رأينا خيالا منه منتابا
          وحق للعيس لو نالت بنا بلدا     فيه الصبا كون عود الند أقتابا
          ألقي إليه قميص الشيب رهن بلى     ثم استجد قميص الشيب محتاجا
          ما زال يمطل دنياه بتوبته     حتى أتته مناياه وما تابا

          كان الحسن يقول : يا بن آدم بع عاجلتك بعاقبتك تربحهما جميعا ، ولا تبع عاقبتك بعاجلتك فتخسرهما جميعا ، الثواء هنا قليل ، وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون ؟ المعاينة فكأنها والله قد كانت ، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق بآخركم .

          يا بن آدم دينك دينك ، فإن سلم لك دينك سلم لك لحمك ودمك ، وإن تكن الأخرى فإنها نار لا تطفى ونفس لا تموت ، إنك معروض على ربك ومرتهن بعملك ، فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك الخير ، يا ابن آدم ترك الخطيئة أهون من معالجة التوبة ، يا ابن آدم لا تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر معلق ، قطع حبالها وأغلق عنك بابها ، حسبك ما بلغك المحل .


          استغفر الله منيبا خاشعا     واهجر لميس واجتنب ديارها
          من زاره عاتي الصبا فإنما     زار من الأسد الجثوم دارها
          وأفضل الأزر إزار عفة     إذا الرجال طرحت آزارها
          من أبر النخل إبار محسن     أحمد في إرطابها آثارها
          والعقل خير لا يخاف غشه     إذا الرجال اتهمت أخبارها
          فأجبر النفس على التقوى ولا     تقل لم أستطع إجبارها

          التالي السابق


          الخدمات العلمية