الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          وقد مكروا مكرهم في المشار إليه أربعة أقوال :

          أحدها : أنه نمرود ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قال نمرود : لا أنتهي حتى أنظر إلى السماء ، فأمر بأربعة من النسور فربيت واستعجلت ، ثم أمر بتابوت فنحت ، ثم جعل في وسطه خشبة ، وجعل على رأس الخشبة لحما شديد الحمرة ، ثم جوعها وربط أرجلها بأوتار إلى قوائم التابوت ، ودخل هو وصاحب له في التابوت ، وأغلق بابه ثم أرسلها ، فجعلت تريد اللحم ، فصعدت في السماء ما شاء الله تعالى ، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى ففتح فقال : أرى الأرض كأنها الدخان ، فقال : أغلق ، فصعد ما شاء الله تعالى ، ثم قال : افتح فقال : ما أرى إلا السماء وما نزداد منها إلا بعدا ، فقال : صوب خشبتك ، فصوبها فانقضت النسور تريد اللحم فسمعت الجبال هدتها فكادت تزول عن موضعها .

          والثاني : أنه بختنصر ، وأن هذه القصة له جرت ، وأن النسور لما ارتفعت نودي يا أيها الطاغي أين تريد ؟ ففرق فنزل ، فلما رأت الجبال ذلك ظنت أنه قيام الساعة ، فكادت تزول ، وهذا قول مجاهد .

          والثالث : أن الإشارة إلى الأمم المتقدمة ، ومكرهم شركهم ، قاله ابن عباس .

          والرابع : أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله وأخرجوه ، ذكره بعض المفسرين .

          قوله تعالى : وعند الله مكرهم أي جزاؤه وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال من كسر اللام الأولى فإن المعنى : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، أي هو أضعف وأهون ومن فتح تلك اللام أراد : قد كادت الجبال تزول من مكرهم .

          وفي المراد بالجبال قولان :

          أحدهما : الجبال المعروفة ، قاله الجمهور .

          والثاني : أنها ضربت مثلا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبوت دينه كثبوت الجبال الراسية . [ ص: 78 ] والمعنى لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال لما زال أمر الإسلام ، قاله الزجاج .

          ويدل على هذا قول الله عز وجل : فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله والمعنى أنه قد وعدك بالنصر عليهم إن الله عزيز ذو انتقام من الكافرين .

          يوم تبدل الأرض غير الأرض وفي معنى تبديلها قولان :

          أحدهما : تبدل بأرض بيضاء كأنها فضة .

          أخبرنا أبو القاسم الحريري ، أنبأنا أبو طالب العشاري ، أخبرنا أبو بكر محمد بن شاذان ، أخبرنا محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا العباس الدوري حدثنا أبو العتاب الدلال ، حدثنا جرير ابن أيوب البجلي ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : يوم تبدل الأرض قال : (أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ) وهذا قول ابن عباس .

          والثاني : أنها تبدل بأرض من فضة ، قال أنس بن مالك .

          والثالث : أنها تبدل بخبزة بيضاء فيأكل المؤمن من تحت قدميه - قاله أبو هريرة وابن جبير والقرطبي .

          والرابع : أنها تبدل نارا ، قاله أبي بن كعب .

          والقول الثاني أن تبديلها : تغيير أحوالها ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يبسطها ويمدها مد الأديم وقال ابن عباس : يزاد فيها وينقص منها ، وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد .

          وفي تبديل السماوات سبعة أقوال :

          أحدها أنها تجعل من ذهب ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

          والثاني : تصير جنانا ، قاله أبي بن كعب .

          والثالث : أن تبديلها تكوير شمسها وتناثر نجومها ، قاله ابن عباس . والرابع : أن تبديلها بسماوات كأنها الفضة ، قاله مجاهد .

          [ ص: 79 ] والخامس : أن تبديلها تغيير أحوالها ، فمرة تكون كالمهل ، ومرة كالدهان ، قاله ابن الأنباري .

          والسادس : أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتاب .

          والسابع : أن تنشق فلا تظل ، ذكرهما الماوردي .

          قالت عائشة : قلت : يا رسول الله ، يوم تبدل الأرض غير الأرض ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : على الجسر ، فمنهم من يمشي مكبا على وجهه ومنهم من يمشي سويا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية