الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى : وخذ بيدك ضغثا كان قد حلف ليجلدن زوجته مائة جلدة .

          وفي سبب هذه اليمين ثلاثة أقوال : أحدها : حديث السخلة الذي سبق ، والثاني : أن إبليس جلس في طريق زوجته كأنه طبيب ، فقالت له : عبد الله ههنا رجل مبتلى ، فهل لك أن تداويه ؟ قال : نعم إني شافيه على أن يقول لي إذا برأ أنت شفيتني ، فجاءت فأخبرته فقال : ذاك الشيطان ، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة ، قاله ابن عباس ، والثالث : أن إبليس لقيها فقال : أنا الذي فعلت بزوجك وأنا إله الأرض ، وما أخذته منه فهو بيدي فانطلقي فأريك ، فمشى غير بعيد ثم سحر بصرها فأراها واديا عميقا فيه أهلها ومالها وولدها ، فأتت أيوب ، عليه السلام ، فأخبرته فقال : ذاك الشيطان ، ويحك كيف وعى سمعك قوله والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة ، قاله وهب .

          [ ص: 165 ] وأما الضغث فقال ابن قتيبة هو الحزمة من الخلال والعيدان ، قال المفسرون : جزى الله زوجته بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها ، فسهل الأمر ، فجمع لها مائة عود وقيل مائة سنبلة ، وقيل كانت أسلا ، وقيل كانت شماريخ ، فضربها ضربة واحدة .

          وهل ذلك خاص له أم عام ؟ فيه مذهبان : أحدهما أنه عام ، قاله ابن عباس وعطاء والثاني : خاص له . قاله مجاهد .

          وقد اختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة ، قال مالك والليث بن سعد : لا يبر ، وهو قول أصحابنا .

          وقال أبو حنيفة والشافعي إذا أصابه في الضربة الواحدة كل واحد منها فقد بر واحتجوا بعموم قصة أيوب .

          قوله تعالى : إنا وجدناه صابرا قال مجاهد يجاء بالمريض يوم القيامة فيقال ما منعك أن تعبدني ؟ فيقول : يا رب ابتليتني ، فيجاء بأيوب في ضره فيقول : أنت كنت أشد ضرا أم هذا ؟ فيقول بل هذا ، فيقول : هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني ! .

          ما ضر أيوب ما جرى ، كأنه سنة كرى ، ثم شاعت مدائحه بين الورى ، وإنما يصبر من فهم العواقب ودرى .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية