الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          جدوا فإن الأمر جد وله أعدوا واستعدوا     لا يستقال اليوم إن
          ولى ولا للأمر رد     لا تغفلن فإنما
          آجالكم نفس يعد     وحوادث الدنيا ترو
          ح عليكم طورا وتغدو     أين الأولى كنا نرى
          ماتوا ونحن نموت بعد     مالي كأن مناي يبسـ
          ط لي وآمالي تمد     ما غفلتي عن يوم يجــ
          ـمعشرتي كفن ولحد     ضيعت ما لا بد لي
          منه بما لي منه بد [ ص: 222 ]     ما نحن فيه متاع أي
          ـام يعار ويسترد     إن كان لا يعنيك ما
          يكفي فما يعنيك جد     هون عليك فليس كـ
          ـل الناس يعطى ما يود


          وتوق نفسك في هوا     ك فإنها لك فيه ضد
          من كان متبعا هوا     ه فإنه لهواه عبد

          إخواني : متى أصبح الهوى أميرا أمسى العقل أسيرا ، التقوى درع والدرع مجموع حلق ، فغض البصر حلقة ، وحبس اللسان حلقة ، وعلى هذا سائر ما يتوقى ، فإياك أن تترك خللا في درعك فإن الرامي يقصد الخلل ، متى فسحت لنفسك في تفريط وإن قل انخرق حرز احترازك !

          كان بعض المتعبدين يمشي في وسط الوحل ويتقيه ويشمر عن ساقيه ، إلى أن زلقت رجله ، فجعل يمشي في وسط الوحل ويبكي ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : هذا مثل العبد لا يزال يتوقى الذنوب حتى يقع في ذنب وذنبين فعندها يخوض الذنوب خوضا .

          قيل لعبيدة بنت أبي كلاب : ما تشتهين ؟ فقالت : الموت . فقيل : ولم ؟ قالت : لأني والله في كل يوم أصبح أخشى أن أجني على نفسي جناية يكون فيها عطبي أيام الآخرة .

          يا مستورا على الذنب انظر في ستر من أنت ، لو عرفتني أعرضت عن غيري ، لو أحببتني أبغضت ما سواي ، لو لاحظت لطفي لتوكلت ضرورة علي ، خاصمت عنك قبل وجودك إني أعلم ما لا تعلمون واستكثرت قليل عملك : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات واعتذرت لك في زللك : فدلاهما بغرور وغطيت قبيح فعلك يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله ولقنتك عذرك عند زللك : ما غرك بربك الكريم وأربحتك معاملتك : فله عشر أمثالها ، من خاصم عنك وأنت مفقود لا يسلمك وأنت موجود ، فاعرف عليك حقي ولا تكن من شرار خلقي ، فكم أرى زلة فأحلم وأبقي .

          يا قائما في مقام الجهالة قد رسخ ، يا متكبرا على إخوانه قد علا وشمخ ، يا خارجا عن الحد شغلا باللهو والمطبخ ، يا من في بصره كمه وفي سمعه صمخ ، يا طامعا في السلامة مع ترك الاستقامة ، ألقيت البذر في السبخ ، متى ينقى قلبك من هذا الدرن والوسخ ، متى تتصور نفخة إسرافيل في الصور إذا نفخ .

          [ ص: 223 ] يا ذا الأمل الطويل العريض ، أما أنذرتك الشعرات البيض ، أما الموت برق والشيب وميض ، عجبا لتأميل الكسير المهيض ، لقد فات الفوز قدح المغيض ، يا دائم الخطأ وكم علم وريض ، يا معجبا بالسلامة وهو في الحقيقة مريض ، لا اللسان محفوظ ولا الجفن غضيض ، لا بالنثر ترجع إلينا ولا بالقريض ، لقد نزلت بك المعاصي إلى أسفل حضيض .

          ليت شعري بعد الموت إلى أين تذهب ، لقد تعمى والله عليك المذهب ، لا بد مرة من كأس الحمام تشرب ، ولهذه الأجساد المبنية أن تخرب ، ولولا فراخ الحياة ما كانت فخاخ الموت تنصب .


          ما لي بما بعد الردى مخبره     قد أدمت الأنف هذه البره
          الليل والإصباح واليقظ     والإبراد والمنزل والمقبرة
          عشنا وجسر الموت قدامنا     فشمروا الآن لكي نعبره
          عيس تبارى بالفلا خدلها     فجد لها يا رب بالمغفرة
          أفقر بالمطعم ركابها     والقوم بالدوية المقفرة
          كم جاوزوا من حندس مظلم     ليبلغوا رحمته المسفره

          التالي السابق


          الخدمات العلمية