الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على قوله تعالى

          القارعة ما القارعة


          القارعة القيامة ، سميت قارعة لأنها تقرع بالأهوال .

          وقوله : ما القارعة استفهام معناه التفخيم لشأنها ، كما تقول : زيد ما زيد .

          وما أدراك ما القارعة أي لأنك لم تعاينها ولم تر ما فيها لشدة الأهوال يوم يكون الناس كالفراش المبثوث قال الفراء الفراش : غوغاء الجراد ، وهو صغاره .

          وقال ابن قتيبة : ما تهافت في النار من البعوض . شبه الناس بذلك لأنهم إذا بعثوا ماج بعضهم في بعض . والمبثوث : المنتشر المتفرق .

          وتكون الجبال كالعهن أي كالصوف ، شبهها في ضعفها ولينها بالصوف ، وقيل شبهها في خفتها وسيرها . وقال ابن قتيبة : العهن : الصوف المصبوغ . والمنفوش : المندوف . فإذا رأيت الجبل قلت هذا جبل . فإذا مسسته لم تر شيئا ، وذلك من شدة الهول .

          يا من عمله بالنفاق مغشوش ، تتزين للناس كما يزين المنقوش ، إنما ينظر إلى الباطن لا إلى النقوش ، إذا هممت بالمعاصي فاذكر يوم النعوش ، وكيف تحمل إلى قبر بالجندل مفروش ، من لك إذا جمع الإنس والجن والوحوش ، وقام العاصي من قبره حيران مدهوش ، وجيء بالجبار العظيم وهو مغلول مخشوش ، فحينئذ يتضاءل المتكبر وتذل الرؤوس ، ويومئذ يبصر الأكمه ويسمع الأطروش ، وينصب الصراط فكم واقع وكم مخدوش ، ليس بجادة يقطعها قصل ولا مرعوش ، ولا تقبل في ذلك اليوم فدية ولا تؤخذ الأروش ، والمتعوس حينئذ ليس بمنعوش ، وينقلب أهل النار في الأقذار والريح كالحشوش ، لحافهم جمر وكذلك الفروش ، وتكون الجبال كالعهن المنفوش .

          قوله تعالى : فأما من ثقلت موازينه أي رجحت بالحسنات . قال الفراء : والمراد بموازينه وزنه . والعرب تقول : هل لك في درهم بميزان درهمك ووزن درهمك . وأراد بالموازين : الوزنات فهو في عيشة راضية أي مرضية .

          [ ص: 248 ] وأما من خفت موازينه فأمه هاوية فيه قولان . أحدهما : أنه يهوي في النار على أم رأسه هاوية . والمعنى أنه هاو في النار على رأسه . قاله عكرمة . والثاني معناه : فمسكنه النار ، فالنار له كالأم لأنه يأوي إليها . قاله ابن زيد والفراء وابن قتيبة .

          أنبأنا محمد بن عبد الملك بن خيرون ، قال أنبأنا إسماعيل بن مسعدة ، قال أنبأنا عمرو بن يوسف ، قال أنبأنا أبو أحمد بن عدي ، حدثنا أحمد بن عمير بن يوسف ، حدثنا إسماعيل بن إسرائيل ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا سلام التميمي ، عن ثور بن زيد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي رهم ، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن إذا مات تلقته البشرى من الملائكة ومن عباد الله كما يتلقى البشرى في دار الدنيا ، فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض : روحوه ساعة فقد خرج من كرب عظيم . ثم يقبلون عليه فيسألونه فيقولون : ما فعل فلان ؟ ما فعل فلان ؟ هل تزوجت فلانة . فإن سألوه عن إنسان قد مات قال : هيهات مات ذاك قبلي . فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ، سلك به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية .

          قال . وتعرض على الموتى أعمالكم ، فإن رأوا خيرا استبشروا وقالوا : اللهم إن هذه نعمتك فأتمها على عبدك ، وإن رأوا سيئة قالوا : اللهم راجع بعبدك . فلا تحزنوا موتاكم بأعمال السوء فإن أعمالكم تعرض عليهم " .


          وقد روي هذا الحديث موقوفا على أبي أيوب وقد روي من كلام عبيد بن عمير . والموقوف أصح .

          ألك عمل إذا وضع في الميزان زان ، عملك قشر لا لب ، واللب يثقل الكفة لا القشر .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية