الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى : فبغى عليهم وفيه خمسة أقوال : أحدها : أنه جعل لبغية جعلا على أن تقذف موسى بنفسها ، ففعلت فاستحلفها موسى على ما قالت فأخبرته بقصتها . فهذا بغيه . قاله ابن عباس . والثاني : أنه بغى بالكفر . قاله الضحاك ، والثالث : بالكبر . قاله قتادة . والرابع : أنه زاد في طول ثيابه شبرا ، قاله عطاء الخراساني وشهر بن حوشب ، والخامس : أنه كان يخدم فرعون ويتعدى على بني إسرائيل ويظلمهم ، حكاه الماوردي .

          وفي المراد بمفاتحه قولان : أحدهما : أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب ، [ ص: 211 ] قاله مجاهد وقتادة ، قال خيثمة : كانت المفاتيح التي تفتح بها الأبواب وقر ستين بغلا ، وكانت من جلود ، كل مفتاح مثل الإصبع . والثاني : أن المراد بالمفاتيح الخزائن ، قاله السدي وأبو صالح والضحاك . قال الزجاج : وهذا الأشبه وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة . قال أبو صالح : كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا .

          قوله تعالى : لتنوء بالعصبة أي تثقلهم وتميلهم . والعصبة : الجماعة . وفي المراد بها ههنا ستة أقوال : أحدها : أربعون رجلا . رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني : ما بين الثلاثة إلى العشرة رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : خمسة عشر . قاله مجاهد . والرابع : فوق العشرة إلى الأربعين . قاله قتادة . والخامس : سبعون رجلا . قاله أبو صالح . والسادس : ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين . حكاه الزجاج .

          قوله تعالى : إذ قال له قومه يعني المؤمنين لا تفرح أي لا تبطر وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة يعني الجنة بإنفاقه في طاعته . ولا تنس نصيبك من الدنيا وهو أن تعمل فيها للآخرة وأحسن بإعطاء فضل مالك كما أحسن الله إليك بأن زادك على قدر حاجتك ولا تبغ الفساد بأن تعمل بالمعاصي .

          قال إنما أوتيته على علم عندي فيه خمسة أقوال : أحدها : على علم عندي بصنعة الذهب . رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : وهذا لا أصل له ، لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له . والثاني : رضا الله عني . قاله ابن زيد . والثالث : على خير علمه الله مني . قاله مقاتل . والرابع : إنما أعطيته بفضل علمي . قاله الفراء . والخامس : على علم عندي بوجوده المكاسب . ذكره الماوردي .

          قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون قال قتادة : يدخلون النار بغير حساب .

          فخرج على قومه في زينته في ثياب حمر وصفر . قال عكرمة : في ثياب معصفرة . قال وهب بن منبه : خرج على بغلة شهباء عليها سرج أحمر من أرجوان ، ومعه أربعة آلاف مقاتل وثلاثمائة وصيفة عليهن الحلي والزينة ، على بغال بيض ، قال الزجاج : الأرجوان : صبغ أحمر .

          [ ص: 212 ] قوله تعالى : ولا يلقاها يعني الكلمة التي قالها المؤمنون وهي : ثواب الله خير " .

          قال ابن عباس : لما نزلت الزكاة أتى موسى وهارون قارون فصالحه على كل ألف دينار دينارا ، وعلى كل ألف درهم درهما ، وعلى كل ألف شاة شاة . فوجد ذلك مالا كثيرا فجمع بني إسرائيل وقال : إن موسى يريد أموالكم . قالوا : فماذا تأمرنا ؟ قال : نجعل لفلانة البغية جعلا فتقذفه بنفسها . ففعلوا . ثم أتاه قارون فقال : إن قومك قد اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهم . فخرج فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة فإن كانت له امرأة جلدناه حتى يموت . فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة . قال : ادعوها : فلما جاءت قال موسى : يا فلانة أنا فعلت ما يقول هؤلاء ؟ قالت : لا كذبوا ، وإنما جعلوا لي جعلا على أن أقذفك . فسجد فأوحى الله عز وجل إليه : مر الأرض بما شئت . فقال : يا أرض خذيه . فأخذته حتى غيبت سريره ، فلما رأى ذلك ناشده بالرحم فقال : خذيه فأخذته حتى غيبت قدميه ، فما زال يقول : خذيه . حتى غيبته فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ما أفظك ! وعزتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته !

          قال سمرة بن جندب : يخسف به كل يوم قامة ، فيبلغ به إلى الأرض السفلى يوم القيامة .

          فلما هلك قال بنو إسرائيل : إنما أهلكه موسى ليأخذ ماله وداره . فخسف الله بداره وبماله بعد ثلاثة أيام .

          فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله أي يمنعونه من الله .

          فأصبح المتمنون مكانه قد ندموا على تمنيهم ، فجعلوا يقولون : لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه قال ابن الأنباري : إن شئت قلت : « ويك » حرف و « أنه » حرف . والمعنى : ألم تر أنه قال الشاعر :


          تسألاني الطلاق أن ترياني قل مالي قد جئتما بهجر     ويك أن من يكن له نشب
          يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر

          وإن شئت جعلت « وي » حرفا ويكون معنى « وي » التعجب كما تقول : وي ! لم فعلت [ ص: 213 ] كذا ؟ ويكون معنى « كأنه » أظنه وأعلمه ، كما تقول : كأنك بالفرج قد أقبل . والمعنى أظنه مقبلا . وإنما وصلوا الياء بالكاف لأن الكلام بهما كثر .

          وذكر الزجاج عن الخليل أنه قال : « وي » مفصولة من « كأن » وذلك أن القوم ندموا فقالوا : وي . متندمين على ما سلف منهم .

          تلك الدار الآخرة يعني الجنة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض وهو البغي ولا فسادا وهو العمل بالمعاصي والعاقبة المحمودة للمتقين .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية