الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          وعظتك أجداث صمت ونعتك أزمنة مضت     وتكلمت عن أعظم
          تبلى وعن صور سبت     وأرتك قبرك في القبو
          ر وأنت حي لم تمت     ولربما انقلب الشما
          ت فحل بالقوم الشمت



          [ ص: 388 ] يا مؤثرا على العرض العرض ، يا صحيحا قد قتله المرض ، يا جامعا للمال والعمر قد انقرض ، يا هدف البلايا سيصاب الغرض ، يا بائعا الدين بنيل الغرض ، من لك إذا ضقت عند الموت بالأهوال ذرعا ، وحالت منك الحلى وأجدب المرعى ، واجتث البلاء منك أصلا وفرعا ، سالت الأماقي إذا لم ينفع الراقي دمعا ، ولم يستطع للأذى ردا ولا للردى دفعا ، وأخرس الموت منك لسانا وأصم سمعا ، وأضحى خشن التراب بعد لين الثياب لك درعا ، وأصبحت لقى بين القوم في الثرى صرعى ، يا من (هو) غرض الآفات ترشقه سهامها رشقا ، لا بد مما وصفنا حتما وحقا ، فتأهب للفناء فقل ما تبقى ، وتهيأ للبلى فبعيد أن تتوقى ، وأصخ لهاتف العبر فقد حادثتك نطقا ، وبادر السلامة فيستحيل الصفو رنقا ، واحذر على نفسك أن تخسر وأن تشقى ، واعمل ليوم ترى فيه مدامع الخلائق لا ترقا ، وهم في أمر عظيم وأكرمهم عند الله الأتقى ، إن أعطيت بخلت بالمال وبطرت ، ومتى نبت ريش رياشك نبت أرض الشكر فطرت ، كيف بك يوم تكوى بها جباههم ، من لك حين توبيخ : هذا ما كنزتم .


          ترمم المال وبالعرض ثلم . . .




          لا سلم المال إذا العرض ثلم . . .




          قد كنت ناديتك والأمر أمم . . .




          فلم تطعني رب رأي متهم . . .




          سمعك واع وبعقلك الصمم . . .




          موارد الجهل مصادر الندم . . .




          ومن رمي بالموقظات لم ينم . . .



          قال كعب : إذا وضع العبد الصالح في قبره احتوشته أعماله الصالحة ، فتجيء ملائكة العذاب من قبل رجليه فتقول الصلاة : إليكم عنه فلا سبيل لكم عليه فقد أطال القيام لله عز وجل . فيأتونه من قبل رأسه فيقول الصيام : لا سبيل لكم عليه فقد أطال ظمأه لله عز وجل في دار الدنيا . فيأتونه من قبل جسده فيقول الحج والجهاد : إليكم عنه فقد أنصب نفسه وأتعب بدنه . ويأتونه من قبل يديه فتقول الصدقة : كفوا عن صاحبي فكم من صدقة خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد الله عز وجل . فيقال له : نم هنيا طبت حيا وميتا . وتأتيه ملائكة الرحمة فتفرشه فراشا من الجنة ودثارا من الجنة ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويؤتى بقنديل من الجنة فيستضيء بنوره إلى يوم القيامة .

          [ ص: 389 ] وقف بعض الحكماء على المقابر فقال : يا أهل القبور ، أصبحتم نادمين على ما خلفتم في البيوت ، وأصبحنا نقتتل على ما ندمتم عليه ، فما أعجبنا وأعجبكم !


          يا أيها الواقف بالقبور     بين أناس غيب حضور
          قد أسكنوا في خرب مغمور     بين الثرى وجندل الصخور
          ينتظرون صيحة النشور     لا تك عن حظك في غرور



          قال بعض الصالحين : صليت ركعتين في الليل ثم وضعت رأسي على قبر ثم نمت ، فإذا صاحب القبر يقول : لقد آذيتني منذ الليلة ، إنكم تعلمون ولا تعملون ، ونحن نعلم ولا نعمل ولا نقدر على العمل ، إن الركعتين اللتين ركعتهما خير من الدنيا وما فيها . ثم قال : جزى الله أهل الدنيا عنا خيرا أقرئهم منا السلام فإنه يدخل علينا من دعائهم نور أمثال الجبال .

          كان الربيع بن أبي راشد يخرج إلى الجبان فيقيم طول النهار ويرجع مكتئبا فيقول له إخوانه وأهله : أين كنت ؟ فيقول : كنت في المقابر ، نظرت إلى قوم قد منعوا ما نحن فيه .


          طالما صعروا الخدود وهزوا     الأرض في يوم محفل وركوب
          ثم أمسوا وفد القبور سكان أطبا     ق الثرى تحت جندل منصوب
          كم كريم منهم يرى الوعد بخلا     مستقل لكثرة الموهوب
          رد عني غرب الملام خليلي     إن نفسي صارت علي حسيبي
          وتنحيت عن طريق التلاهي     والملاهي وقلت للنفس توبي



          التالي السابق


          الخدمات العلمية