الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء

          أنفق المال قبل إنفاقك العمـ ـر ففي الدهر ريبه ومنونه     قلما ينفع الثراء بخيلا
          غلقت في الثرى المهيل رهونه     لو نجا من حمامه جاعل الما
          ل معاذا له نجا قارونه [ ص: 329 ]     خازنو المال ساجنوه وما كا
          ن يسعى لساجن مسجونه

          لما طبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أشرف الأخلاق كان منها الكرم ، فأعطى غنما بين جبلين ، فلما سار في فيافي الجود تبعه صديقه فجاء بكل ماله فقال : ما أبقيت ؟ قال أبقيت الله ورسوله .


          سبق الناس إليها صفقة     لم يعد رائدها عنها بغبن
          هزة للجود صارت نشوة     لم يكدر عندها العرف بمن
          طلبوا الشاء فوافى سابقا     جزع غبر في وجه المشن

          جاز أبو بكر رضي الله تعالى عنه على بلال وهو يعذب فجذب مغناطيس صبر بلال حديد صدق الصديق ، ولم يبرح حتى اشتراه وكسر قفص حبسه ، فكان عمر رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق بلالا سيدنا .

          تعب في المكاسب فنالها حلالا ، ثم أنفقها حتى جعل في الكساء خلالا ، قال له الرسول أسلم فكان الجواب نعم بلا : لا ، ولو لم يفعل في الإسلام إلا أنه أعتق بلالا .


          أبو بكر حبا في الله مالا     وأعتق في محبته بلالا
          وقد واسى النبي بكل فضل     وأسرع في إجابته بلا : لا
          لو أن البحر يقصده ببعض     لما ترك الإله به بلالا

          كانت فضائله الباطنة مستورة بنقاب " ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة ، ولكن بشيء وقر في صدره " فهي مجانسة لمنقبة : فأوحى إلى عبده ما أوحى .


          إن كان حب عتيق عقد النواصب     فإنني ناصبي من نسل ناصبي
          من كان خير رفيق لخير صاحب     كفها له ومعينا على النوائب
          له الأمانة بالنص غير غاصب     أتشبه سترا بنسج العناكب
          وللسكينة فيه أعلى المناقب     مناقب هن كالأنجم الثواقب

          جمع يوم الردة شمل الإسلام بعد أن نعق غراب البين ، وجهز عساكر العزم فمرت على أحسن زين ، وصاح لسان جده فارتاع من بين الصفين فقال : أقاتلهم ولو بابنتي هاتين .


          عاد به روض العلى منضرا     من بعد ما كان العلى قد اضمحل
          سائل به يوم بني حنيفة     والبيض في بيض الرؤوس تنتضل
          وليس إلا السيف قاض في الوغى     ولا رسول غير أطراف الأسل
          كم خلل رم ولولا عزمه     ما رم في الإسلام هذاك الخلل
          [ ص: 330 ] وكم له من نائل يسير ما     بين الأنام ذكره سير مثل
          سكينة الله عليه أنزلت     وفضله في سورة الفتح نزل
          أقسم بالله يمينا صادقا     لو فاضل الأملاك بالصدق فضل

          من نهض كنهضته يوم الردة ، ومن عانى من القوم تلك الشدة ، وأي إقدام يشبه تلك الحدة ، كانت آراؤه من التوفيق مستمدة .


          لم يسمحوا بزمام أمرهم له     حتى رأوه لكل خير جامعا
          لم يرهبوه ولا اتقوه مخافة     جيشا أطل ولا حساما قاطعا
          كلا ولا خافوا بوائق بأسه     إن خالفوه ولا رأوه مخادعا
          لكنهم علموا شريف محله     عند الرسول تقى وقدرا بارعا
          ورأوا نظام الدين عن آرائه     مستحكما وسنى الشريعة طالعا
          أردى حنيفة واليمامة إذ طغت     فأعاد مأنوس الديار بلاقعا

          أترى تقدم أبو بكر لكسل ، أو مدح بالبخل ، كلا بل هانت الدنيا لديه إذ عزت نفسه عليه ، لما علم الصديق قرب الممات فرق المال وتخلل بالعبا ، فخرج من الدنيا قبل أن يخرج .


          يممت همته قصوى الورى     فجرى جري جواد لجواد
          يجد المتلف من أمواله     واقعا منه وقوع المستفاد
          فهو لا يفتر من سح الندى     ببنان سبطات لا جعاد
          غير لاه باللها بل عالما     أن بذل العرف من خير عتاد
          مستزيدا من فعال جمة     ليس فيها لامرئ من مستزاد
          كل ذخر لمعاش عنده     مقتنى من فضل زاد لمعاد
          سالكا في كل فج وحده     حين لا يوحشه طول انفراد
          وكذاك البدر يسري في الدجى     وله من نفسه نور وهاد

          نزع أبو بكر ثوب مخيط الهوى فمزقه علي ، رمى الصديق جهاز المطلقة فوافقه علي في نزع الخاتم .


          حبب الفقر إليه أنه     سؤدد وهو بذاك الفقر يغنى
          وشريف القوم من يبقي لهم     شرف الذكر وخلى المال يفنى
          ما اطمأن الوفر في بحبوحة     فرأيت المجد فيها مطمئنا
          تهدم الأموال من أساسها     أبدال ما دامت العلياء تبنى

          [ ص: 331 ] توافق أبو بكر وعلي على رفض الدنيا ، فاسلك سبيلهما وجانب الرفض .


          وخير ما يذخر عبد لغد     حب أبي بكر الإمام المرتضى
          حب إمام أوضح الله به     من سبل الإسلام ما كان عفا
          لم يعبد اللات ولكن لم يزل     معترفا بالله من حين نشا
          لأنه كان زميل المصطفى     يجري على منهاجه حين جرى
          حتى إذا الله اصطفاه مرسلا     أجاب بالتصديق لما أن دعا
          وما ارتضاه للصلاة دونهم     حتى رآه ذروة لا ترتقى
          ثم دعوه بعده خليفة     عن ملإ منهم وأعطوه الرضا
          قال أقيلوني فلست خيركم     فأعظموها وأبوا كل الإبا
          والله إني لموال حيدرا     مثل موالاتي عتيقا ذا السنا
          هما إماماي وأمني في غد     مما أخاف ورجائي واللجا
          وإن دين الرفض كفر موبق     فمن صحا من سكرة الرفض نجا

          لقد بان الهدى ولاحت الطريق ، فشمر أيها البخيل واخرج من المضيق ، وإياك والدنيا فكم قتلت من صديق ، افعل بها فعل علي أو فعل الصديق ، يا هذا من صفة المؤمن الكرم ، والكريم من أعطى ما لا يجب وأنت تبخل بالواجب ، يا هذا مؤدي الدين لا يحمد ، لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ، يا عجبا ممن لا يخرج اليسير المرذول كيف يطلب منه الكثير المحبوب .


          إذا ما شح ذو المال     شح الدهر بإيهابه
          إذا لم يثمر العود     فقطع العود أولى به



          التالي السابق


          الخدمات العلمية