الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 273 ] الكلام على البسملة


          يأتي على الناس إصباح وإمساء وكلنا لصروف الدهر نساء     يثوي الملوك ومصر في تغيرهم
          مصر على العهد والأحساء أحساء     خسست يا دار دنيانا فأف لمن
          يرضى بالخسيسة أو ناس أخساء     لقد نطقت بأصناف العظات لنا
          وأنت فيما يظن الناس خرساء     إذا تعطفت يوما كنت قاسية
          وإن نظرت بعين فهي شوساء     أين الملوك وأبناء الملوك ومن
          كانت لهم عزة في الملك قعساء     نالوا يسيرا من اللذات وارتحلوا
          برغمهم فإذا النعماء بأساء

          الدنيا دار كدر ، بذلك جرى القدر ، فإن صفا عيش لحظة ندر ، ثم عاد التخليط فبدر ، الورود فيها كالصدر ، ودم قتيلها هدر ، بلاؤها متتابع متواصل وسيفها إذا ضربت سيف فاصل ، وحرصها على الحقيقة مفاصل ، وخيرها مظنون وشرها حاصل .


          نوائب إن حلت تخلت سريعة     وإما تولت في الزمان توالت
          ودنياك إن قلت أقلت وإن قلت     فمن قلة في الدين نجت وعلت
          غلت وأغالت ثم غالت وأوحشت     وحشت وحاشت واستمالت وملت
          وصلت بنيران وصلت سيوفها     وسلت حساما من أذاة وسلت
          أزالت وزلت بالفتى عن مقامه     وحلت فلما أحكم العقد حلت

          أين أرباب البيض والسمر ، والمراكب الصفر والحمر ، والقباب والقب الضمر ، ما زالوا يفعلون أفعال الغمر إلى أن تقضى جميع العمر ، لو رأيت مرتفعهم بعد النصب قد جر إلى بيت لا يدري فيه الحر والقر ، وعليه ثوب لا خيط ولا زر ، المحنة أنه ما انتقل بما يسر ، تالله لقد حال حلوهم إلى المر وصار ما كان ينفع يضر ، باعوا بمخشاب الهوى ثمين الدر ، ولا يمكن أن يقال البائع غر لأنه باع وهو يدري أنه حر .


          المشيدات التي رفعت     أربع من أهلها درس
          أقام للأيام في أذني     واعظ من شأنه الخرس
          مهجتي ضد تحاربني     أنا مني كيف أحترس
          إنما دنياك غانية     لم يهنأ زوجها العرس
          فالقها بالزهد مدرعا     في يديك السيف والترس
          ليس يبقى فرع نائبة     أصلها في الموت مفترس

          إخواني : حاسبوا أنفسكم قبل الحساب وأعدوا للسؤال صحيح الجواب ، واحفظوا [ ص: 274 ] بالتقوى هذه الأيام ، واغسلوا عن الأجرام هذه الأجرام ، قبل ندم النفوس في حين سياقها ، قبل طمس شمس الحياة بعد إشراقها قبل ذوق كأس مرة في مذاقها ، قبل أن تدور السلامة في أفلاك محاقها ، قبل أن تجذب النفوس إلى القبور بأطواقها ، وتفترش في اللحود أخلاق أخلاقها ، وتنفصل المفاصل بعد حسن اتساقها ، وتشتد شدائد الحسرة حاسرة عن ساقها ، وتظهر مخبآت الدموع بسرعة اندفاقها ، وتتقلب القلوب في ضنك ضيق خناقها ، ويطول جوع من كان في الدنيا فاكها ، وتبكي النفوس في أسرها على زمان إطلاقها .

          إخواني : الأيام مطايا بيدها أزمة ركبانها ، تنزل بهم حيث شاءت ، فبينا هم على غواربها ألقتهم فوطئتهم بمناسمها .

          قال الحسن : يعرض على العبد يوم القيامة ساعات عمره ، فكل ساعة لم يحدث فيها خيرا تتقطع نفسه عليها حسرات .

          وكان يونس بن عبيد جالسا مع أصحابه يحدثهم فنظر في وجوههم وقال : لقد ذهب من أجلي وأجلكم ساعة .

          وكتب الأوزاعي إلى أخ له : أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب ، واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة مرحلة ، فاحذر الله تعالى والمقام بين يديه وأن يكون آخر عهدك به والسلام .


          خل الذنوب صغيرها     وكبيرها فهو التقى
          كن مثل ماش فوق أر     ض الشوك يحذر ما يرى
          لا تحقرن صغيرة     إن الجبال من الحصى

          قال أعرابي : لا تأمن من جعل في ثلاثة دراهم قطع خير عضو منك أن يكون عقابه غدا هكذا .

          قال رجل لبعض الحكماء : أوصني ، فقال : إياك أن تسيء إلى من تحب ، قال : وهل يسيء أحد من يحب ؟ قال : نعم تعصي فتعذب فتكون مسيئا إلى نفسك .


          أعطيت سيفا لك بعض العدا     وليس في كفك غير القراب
          فاهرب من الغي وأشياعه     وحن للنسك حنين الضراب
          تزجر هذي النفس عن طبعها     والأسد لا تترك قصد الرواب

          التالي السابق


          الخدمات العلمية