الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          واعلم أن من تفكر في ذنبه وجد الزمان الذي عصى فيه قد خلا عن طاعة وامتلأ بخطيئة ، ثم يحتاج إلى زمان يتشاغل فيه بالتوبة ، ثم يتأسف على ما سبق ، ويكفي هذا .

          وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال ربكم عز وجل : لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت الرعد .

          [ ص: 123 ] أنبأنا أحمد بن علي المحلي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا الحسين بن بشران أنبأنا أبو علي البردعي ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثنا الزبير بن أبي بكر ، حدثني أبو ضمرة ، عن نافع بن عبد الله ، عن فروة بن قيس ، عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولا نقصوا المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم .

          قال القرشي : وحدثني إبراهيم بن سعيد ، قال حدثنا إبراهيم بن مهدي ، قال حدثنا أبو حفص الأبار ، عن أشعث بن سوار ، عن كردوس التغلبي ، قال : حدثني رجل من أهل المسجد مسجد الكوفة ، وكان أبوه ممن شهد بدرا قال : مررت على قرية تتزلزل فوقفت قريبا أنظر ، فخرج علي رجل فقلت : ما وراءك ؟ فقال : تركتها تتزلزل وإن الحائطان ليصطكان ويرمى بعضها ببعض ، فقلت : وما كانوا يعملون ؟ قال : كانوا يأكلون الربا .

          وقال رجل للحسن : أعياني قيام الليل ؟ قال : قيدتك خطاياك ! .

          أنبأنا محمد بن أبي منصور ، عن عبد القادر بن محمد الجوهري ، أنبأنا أبو الفضل الزهري ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الذهبي ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا أحمد بن المثنى ، حدثنا عبد القدوس الحواري ، عن هشام قال : اغتم ابن سيرين مرة فقيل له : يا أبا بكر ما هذا الغم ؟ قال : هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة .

          أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، قال حدثنا أبو سعيد بن أبي صادق ، قال أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي ، قال سمعت محمد بن فارس يقول : أنبأنا علي بن قرين قال : سمعت الجنيد يقول : من هم بذنب لم يعمله عوقب بذنب لم يعرفه .

          أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أنبأنا أبو الغنائم الدجاجي ، أنبأنا علي بن معروف ، حدثنا محمد بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن سعد الجوهري ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن صالح المري ، عن أبي عمران الجوني قال : مكتوب في الإنجيل : تعملون الخطايا وتنكرون العقوبة ! .

          [ ص: 124 ] يا من معاصيه جمة مشهورة ونفسه بما يجني عليها مسرورة ، أفي العين كمه أم عشى ، أإليك الأمر كما تشا ، أعلى القلب حجاب أم غشا ، يا كثير المعاصي قعد أو مشى ، عظمت ذنوبك فمتى تقضي ، يا مقيما وهو في المعنى يمضي ، أفنيت الزمان في الخطايا ضياعا ، وساكنت غرورا من الأمل وأطماعا ، وصرت في تحصيل الدنيا محترفا صناعا ، تصبح جامعا وتمسي مناعا ، فتش على قلبك ولبك قد ضاعا ، تفكر في عمرك مضى نهبا مشاعا ، لا في الشباب أصلحت ولا في الكهولة أفلحت ، كم حملت أزرك وزرا ثقيلا ، واجترحت يا بعد صلاح ما جرحت ، يا سيء السريرة كم عليك جريرة ، ويحك أتنسى الحفيرة ، أم هي عندك حقيرة ، أيام عمرك قصيرة وتضيعها على بصيرة ، لقد قطع الأجل مسيره ، ولكن على أقبح سيرة ، ذنوبك جمة كثيرة ، وعينك به قريرة ما تظلم بها مقدار شعيرة .

          قال محمد بن كعب القرظي : إنما الدنيا سوق خرج الناس منها بما يضرهم وبما ينفعهم ، وكم اغتر ناس فخرجوا ملومين واقتسم ما جمعوا من لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم فيحق لنا أن ننظر إلى ما نغبطهم به من الأعمال فنعملها وإلى ما نتخوف فنجتنبها .

          وقال يحيى بن معاذ : المغبون من عطل أيامه بالبطالات وسلط جوارحه على الهلكات ، ومات قبل إفاقته من الجنايات :


          بدت دهياء تنذر بالخطوب نلاحظها بأبصار القلوب     وقد دل المجيء على ذهاب
          كما دل الطلوع على الغروب     ولكن القلوب محجبات
          وسوء حجابها كسب الذنوب

          يا هذا الطالب حييت فبادر ، والفضائل معرضة فثابر ، اترك الهوى محمودا ، قبل أن يتركك مذموما ، إن فاتتك قصبات السبق في الولاية : فلا تفوتنك ساعات الندم في الإنابة ، آه للسان نطق بإثم كيف غفل عن قوله تعالى : اليوم نختم على أفواههم آه ليد امتدت للحرام كيف نسيت وتكلمنا أيديهم آه لقدم سعت في الآثام كيف لم تتدبر : وتشهد أرجلهم آه لجسد ربا على الربا ، أما سمع منادي التحذير على ربى : فلا يربو عند الله آه لذي فم فغره لتفريغ كأس الخمر ، أما بلغه زجر : فاجتنبوه .

          [ ص: 125 ]

          قد كان عمرك ميلا     فأصبح الميل شبرا
          وأصبح الشبر عقدا     فاحفر لنفسك قبرا

          يا من راح في المعاصي وغدا ، ويقول : سأتوب اليوم أو غدا ، كيف تجمع قلبا قد صار في الهوى مبددا ، كيف تلينه وقد أمسى بالجهل جلمدا ، كيف تحثه وقد راح بالشهوات مقيدا ، لقد ضاع قلبك فاطلب له ناشدا ، تفكر بأي وجه تتلقى الردى ، تذكر ليلة تبيت في القبر منفردا :


          أيها المشغوف بالدنــ     ــيا صبوا وغراما
          أبدا هي أبدا تبـــ     ــطن في الشهد سماما
          تخضع الراضع بالدر     ر وتنسيه الفطاما
          فإذا هز بوعظ     صم عنه وتعامى
          فهو كالشاكي الذي يز     داد بالطب سقاما
          وكمثل الطفل في المهــ     ـــد إذا حرك ناما

          التالي السابق


          الخدمات العلمية