الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          يا عامرا لخراب الدهر مجتهدا تالله ما لخراب الدهر عمران     وكل وجدان حظ لا ثبات له
          فإن معناه في التحقيق فقدان     صن الفؤاد عن الدنيا وزخرفها
          فصفوها كدر والوصل هجران

          يا هذا ، الأيام ثلاثة : أمس قد مضى بما فيه ، وغدا لعلك لا تدركه ، وإنما هو يومك هذا فاجتهد فيه ، لله در من تنبه لنفسه وتزود لرمسه ، واستدرك ما مضى من أمسه قبل طول حبسه .


          فيا جامع الدنيا لغير بلاغة     ستتركها فانظر لمن أنت جامع
          لو أن ذوي الأبصار يوعون كل ما     يرون لما جفت لعين مدامع
          ومن كانت الدنيا مناه وهمه     سباه المنى واستعبدته المطامع

          يا نائما في لهوه وما نام الحافظ ، لاحظ نور الهدى فلا حظ إلا للملاحظ ، وحافظ على التقى فقد فاز المحافظ ، وخذ حذرك فقد أنذرك العاتبان الغلائظ ولا تغتر ببرد العيش فزمان الحساب قائظ ، وتذكرت وقت الرحلة حمل الثقيل الباهظ ، ولا تلتفت إلى المادح فكم قد ضر مدح قارظ ، وتيقظ للخلاص فما ينجو إلا متياقظ ، يا مدبرا أمر دنياه ونسي أخراه فخفف النداء اللافظ ، عجائب الدهر تغني عن وعظ كل واعظ :


          أللعمر في الدنيا تجد وتعمر     وأنت غدا فيها تموت وتقبر
          تلقع آملا وترجو نتاجها     وعمرك مما قد ترجيه أقصر
          وهذا صباح اليوم ينعاك ضوؤه     وليلته تنعاك إن كنت تشعر
          تحوم على إدراك ما قد كفيته     وتقبل بالآمال فيه وتدبر
          ورزقك لا يعدوك إما معجل     على حاله يوما وإما مؤخر
          فلا تأمن الدنيا إذا هي أقبلت     عليك فما زالت تخون وتغدر
          [ ص: 131 ] فما تم فيها الصفو يوما لأهله     ولا الرفق إلا ريثما يتغير
          تذكر وفكر في الذي أنت صائر     إليه غدا إن كنت ممن يفكر
          فلا بد يوما أن تصير لحفرة     بأثنائها تطوى إلى يوم تحشر

          إخواني : تدبروا الأمور تدبر ناظر ، وأصغوا إلى ناصحكم والقلب حاضر ، واحذروا غضب الحليم وهتك الساتر ، وتأهبوا للحمام فسيوفه بواتر ، وهاجروا إلى دار الإنابة بهجران الجرائر ، وصابروا عدوكم مصابرة صابر ، وتهيؤوا للرحيل إلى عسكر المقابر ، قبل أن يبل وابل الدموع ثرى المحاجر ، ويندم العاصي ويخسر الفاجر ، ويتكاثف العرق وتقوى الهواجر ، وتصعد القلوب إلى أعلى الحناجر ، ويعز الأمن ويعرض الناصر ، ويفرح الكامل ويحزن القاصر ، ويفوت اكتساب الفضائل وتحصيل المفاخر ، فتأملوا عواقب مصيركم فاللبيب يرى الآخر .


          وقائلة لو كنت تلتمس الغنى     رشدت ، وما أوصت بما كان راشدا
          أبى الناس إلا حب دنيا ذميمة     تقضى ويأبى الموت إلا التزودا
          فقلت سلي عن ذي الثراء تخبري     وذي الملك بعد الملك ماذا توسدا
          يمرون أرسالا ونضحى كأننا     لما نالهم بالأمس لم نك شهدا
          فهل ينفعنا ما نرى أو يروعنا     وهل نذكرن اليوم منزلنا غدا

          أخبرنا يحيى بن علي ، حدثنا القاضي أبو الحسين السمناني ، حدثنا أبو الحسن بن الصامت ، حدثنا القاضي أبو عبد الله المحاملي ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا الجنيد بن أبي العلاء ، عن محمد بن سعيد ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن أم الدرداء ، عن علي الدقاق ، عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تفرغوا من الدنيا ما استطعتم ، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه ، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تقبل إليه بالود والرحمة ، وكان الله عز وجل إليه بكل خير أسرع .

          أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، أنبأنا رزق الله ، أنبأنا ابن شاذان أنبأنا أبو جعفر بن يزيد ، أنبأنا أبو بكر القرشي ، أنبأنا يعقوب بن عبيد الله ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا سفيان الثوري ، عن زيد الشامي ، عن مهاجر العامري ، قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن [ ص: 132 ] أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : اتباع الهوى وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ، ألا وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .


          يا صحاح الأجساد كيف بطلتم     لا لعذر عن صالح الأعمال
          لو علمتم أن البطالة تجدي     حسرة في معادكم والمآل
          لتبادرتم إلى ما يقيكم     من جحيم في بعثكم ونكال
          إنما هذه الحياة غرور     أبدا تطمع الورى في المحال
          كيف يهنيكم القرار وأنتم     بعد تمهيدكم على الارتحال
          الهدى واضح فلا تعدلوا عنـــــ     ــــه ولا تسلكوا سبيل الضلال
          وأنيبوا قبل الممات وتوبوا     تسلموا في غد من الأهوال

          التالي السابق


          الخدمات العلمية