الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة

          إخواني : السعيد من اعتبر ، وتفكر في العواقب ونظر ، أضر الخليل ما عليه جرى وهذه مدائحه كما ترى ، من صابر الهوى ربح واستفاد ، ومن غفل فاته المراد .


          يا فؤادي غلبتني عصيانا فأطعني فقد عصيت زمانا     يا فؤادي أما تحن إلى طو
          بى إذا الريح حركت أغصانا     مثل الأولياء في جنة الخلد
          إذا ما تقابلوا إخوانا     قد تعالوا على أسرة در
          لابسين الحرير والأرجوانا     وعليهم تيجانهم والأكاليل
          تباهي بحسنها التيجانا     ثم آووا فاستقبلتهم حسان
          من بنات النعيم فقن الحسانا     بوجوه مثل المصابيح نورا
          ما عرفن الظلال والأكنانا     فهم الدهر في سرور عجيب
          ويزورون ربهم أحيانا

          يا غافلين عما نالوا ، ملتم عن التقوى وما مالوا ، ما أطيب ليلهم في المناجاة ، وما أقربهم من طريق النجاة .

          كان بشر الحافي طويل السهر يقول : أخاف أن يأتي أمر الله وأنا نائم .

          كم منع نفسه من شهوة فما أنالها ، حتى سمع : كل يا من لم يأكل لما أتى لها ، كم حمل عليها حملا وما رثى لها ، كم همت بنيل غرض بدا لها لما خافت عقبى مرض ينالها ، أصبح زاهدا وأمسى عفيفا ، ما أخذ من الدنيا إلا طفيفا ، وما خرج عنها إلا نظيفا ، هذا وكم وجد من الدنيا سعة وريفا ، تقلب في ثياب الصبر نحيفا ، وتوغل في طريق التقوى لطيفا تالله لقد كان رأيه حصيفا ، وما قدر حتى أعانه الرحمن وخلق الإنسان ضعيفا .

          [ ص: 97 ]

          بكت عينه رحمة للبدن     فعفى البكاء مكان الوسن
          وألبسه الشوق ثوب السقام     كأن السقام عليه حسن
          وأنس مدامعه بالدموع     لم يدع السر حتى علن
          فيا طول عصيانه للغرام     ويا حسن طاعته للحزن

          إخواني : من عرف قدر نفسه عليه هانت الدنيا كلها لديه ، إن العقلاء نظروا إلى مشارع الدنيا فرأوها متوشحة بأقذار الفراط فاقتنعوا بثغب الغدران .


          لله ساع بلغته قدمه     حيث تعدت عاليات هممه
          أو قاعد مع العفاف قانع     ببلغة الزاد حشاه وفمه
          لم ينتقص طلاوة من وجهه     ورقه ذلك سؤال يصمه
          تلونت خلائق الدهر به     فحنكته صهبه ودهمه
          واختبر الناس فلو ساومته     قرب أخيه عله يحتشمه
          والله ما عفتك يا دنيا بلى     وإن فيك لمتاعا أعلمه
          لكن أبناءك من لا صبغتي     صبغته ولا وفائي شيمه
          أخرج من حكمة الصدر وما     فيهم بسحري من يصح سقمه
          كم باسم لم من وراء سره     والليث لا يغرني تبسمه
          وحاطب على اتخاذي صحبتي     والبدر مولود بغير توأمه

          سبحان من كشف لأحبابه ما غطى عن الغير ، وأعطاهم من جوده كل خير ومير ، فقطعوا مفاوز الدنيا بالصبر ولا ضير ، وكابدوا المجاعة حتى استحيا راهب الدير ، أفي أحوال هذه الدنيا تتمارى ، أما ترى زيها مستردا مستعارا ، وسلب القرين يكفي وعظا واعتبارا ، أما اللذات فقد فنيت وأبقت عارا ، وأما العمر فمنتهب جهارا ، إياك وإيا الدنيا فرارا فرارا ، لقد قرت عيون الزاهدين وماتوا أحرارا قتلت أقرانهم فانتهضوا يأخذون ثارا ، وباعوها بما يبقى لا كرها بل اختيارا ، قطعوا بالقيام ليلا وبالصيام نهارا واتخذوا الجد لحافا والصبر شعارا ، وركبوا من العزم أمضى من العربان المهارى واهتدوا إلى نجاتهم والناس في الجهل حيارى .

          ربح القوم وخسرت ، وساروا إلى المحبوب وما سرت ، وأجيروا من اللوم وما أجرت ، واستزيدوا إلى القرب وما استزدت ، ذنوبك طردتك عنهم ، وخطاياك أبعدتك منهم ، قم في الليل ترى تلك الرفقة ، واسلك طريقتهم وإن بعدت الشقة ، وابك على تأخرك واحذر الفرقة .

          [ ص: 98 ]

          شمر عسى أن ينفع التشمير     وانظر بفكرك ما إليه تصير
          طولت آمالا تكنفها الهوى     ونسيت أن العمر منك قصير
          قد أفصحت دنياك عن غدراتها     وأتى مشيبك والمشيب نذير
          دار لهوت بزهوها متمتعا     ترجو المقام بها وأنت تسير
          واعلم بأنك راحل عنها ولو     عمرت فيها ما أقام ثبير
          ليس الغنى في العيش إلا بلغة     ويسير ما يكفيك منه كثير
          لا يشغلنك عاجل عن آجل     أبدا فملتمس الحقير حقير
          ولقد تساوى بين أطباق الثرى     في الأرض مأمور بها وأمير

          التالي السابق


          الخدمات العلمية