الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          فأما الهجرة فإنها كانت في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ، أعني اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فعلى القول الأول يكون المعراج في ربيع الأول . وعلى الثاني والثالث يكون في رمضان . وعلى الرابع يكون في رجب . وقد ذكر محمد بن سعد عن الواقدي عن أشياخ له قالوا : كان المعراج ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا . إلا أنه لما اشتهر ذكر المعراج برجب ذكرناه فيه .

          أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين ، أنبأنا أبو علي الحسن بن علي التيمي . أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام بن يحيى ، قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : بينما أنا في الحطيم وربما قال قتادة في الحجر مضطجع إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه : الأوسط بين الثلاثة . قال فأتاني فقد وسمعت قتادة يقول : فشق ما بين هذه إلى هذه . قال قتادة : فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته . وقد سمعته يقول من قصه إلى شعرته قال فاستخرج قلبي . قال : فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ، ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود : أهو البراق يا أبا حمزة ؟ قال : نعم . يقع خطوه عند أقصى طرفه .

          قال : فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أوقد بعث إليه ؟ قال : نعم فقيل مرحبا به ونعم المجيء جاء . قال : ففتح له فلما خلصت إذا فيها آدم قال : هذا أبوك آدم فسلم عليه . قال : فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح .

          ثم صعد حتى أتى السماء الثانية ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء . قال : ففتح لنا فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما . قال : فسلمت عليهما فردا السلام ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

          [ ص: 435 ] ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء . قال : ففتح فلما خلصت إذا يوسف . قال : هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

          ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء . قال : ففتح فلما خلصت إذا إدريس . قال : هذا إدريس فسلم عليه . فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

          ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء . ففتح له ، فلما خلصت إذا أنا بهارون . قال : هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

          ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء . ففتح له فلما خلصت إذا أنا بموسى . قال : هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . قال : فلما جاوزت بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي !

          قال : ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك قال : محمد قيل : أوقد أرسل إليه ! قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء . قال : ففتح فلما خلصت إذا إبراهيم . قال : هذا إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح .

          قال : ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، فقال : هذه سدرة المنتهى . قال : وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات .

          قال : ثم رفع لي البيت المعمور .
          قال قتادة : وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه إلى يوم القيامة .

          [ ص: 436 ] ثم رجع إلى حديث أنس . ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل ، قال : فأخذت اللبن قال : هذه الفطرة أنت عليها وأمتك .

          قال : ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة ، قال : فرجعت فمررت على موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : أمرت بخمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة ، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك عز وجل فاسأله التخفيف لأمتك قال : فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : بأربعين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة في كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال : فرجعت فوضع عني عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : أمرت بثلاثين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع ثلاثين كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : فرجعت فوضع عني عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : بعشرين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، قال : فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : بعشر صلوات كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال : فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، قال : فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال : قلت : قد استحييت من ربي ولكني أرضى وأسلم فلما جاوزت نادى مناد : قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي .


          أخرجاه في الصحيحين وليس لمالك بن صعصعة في الصحيح غيره .

          وفي الصحيحين من حديث أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أنه مر بآدم وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى فقال :

          [ ص: 437 ] يا جبريل من هذا ؟ قال آدم وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه ، عن يمينه أهل الجنة وعن يساره أهل النار .


          وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتيت بالبراق فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت ركعتين .

          وقد روى حديث المعراج جماعة منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وأبو ذر وابن عباس وأبو سعيد وأبو هريرة وجابر وأم هانئ في آخرين .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية