الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          المجلس الحادي والعشرون :

          في قصة بلقيس

          الحمد لله الذي يخضع لقدرته من يعبد ، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد ، ولطيب مناجاته يسهر العابد ولا يرقد ، ولطلب ثوابه يقوم المصلي ويقعد ، إذا دخل الدخل في العمل له يفسد ، وإذا قصدت به سوق الخلق يكسد ، يحل كلامه عن أن يقال مخلوق ويبعد ، جدد التسليم لصفاته مستقيم الجد جد ، وكرمه سياح فلا يحتاج أن يقال جد جد ، من شبه أو عطل لم يرشد ، ما جاء في القرآن قبلنا أو في السنة لم نردد ، فأما أن تقول في الخالق برأيك فإنك تبرد ، أليس هذا اعتقادكم يا أهل الخير ، وكيف لا أتفقد العقائد خوفا من الضير ، فإن سليمان تفقد الطير " فقال : ما لي لا أرى الهدهد " .

          أحمده حمد من يرشد بالوقوف على بابه ولا يشرد ، وأصلي على رسوله محمد الذي قيل لحاسده : فليمدد ، وعلى الصديق الذي في قلوب محبيه فرحات وفي صدور مبغضيه قرحات لا تنفد ، وعلى عمر الذي لم يزل يقوي الإسلام ويعضد ، وعلى عثمان الذي جاءته الشهادة فلم يردد ، وعلى علي الذي كان ينسف زرع الكفر بسيفه ويحصد ، أتحبه وتبغض أبا بكر تبرد ، وعلى عمه العباس الذي يعلو نسبه الأنساب ويمجد .

          قال الله عز وجل : وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد .

          كان سليمان عليه السلام إذا أراد سفرا قعد على سريره ووضعت الكراسي يمينا وشمالا ، فتجلس الإنس والجن وتظلهم الطير ، ويأمر الريح فتحملهم .

          فنزل في بعض أسفاره مفازة فسأل عن بعد الماء هناك ، فقالوا : لا نعلم . فقالت الشياطين : إن يك من يعلم فالهدهد . فقال : علي بالهدهد . فلم يوجد " فقال : ما لي لا أرى الهدهد " والمعنى : ما للهدهد لا أراه أم كان أي بل كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا قال ابن عباس : كان ينتف ريشه . وقال الضحاك : يشد رجليه ويشمسه . أو ليأتيني بسلطان أي حجة . وكان الهدهد حين نزل سليمان قد ارتفع في السماء يتأمل [ ص: 253 ] الأرض فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة ، فإذا هو بهدهد لها فقال : من أين أقبلت ؟ قال : من الشام مع صاحبي سليمان . فمن أين أنت ؟ قال : من هذه البلاد وملكتها بلقيس . فانطلق معه فرأى بلقيس وملكها . وبلقيس لقب واسمها بلقمة بنت ذي مسرح . وقيل بنت الشيصبان ملك سبإ ، فلما احتضر استخلفها لما عرف من رأيها وتدبيرها ، فملكت وكانت ساكنة في أرض سبإ وهي مأرب ، وكانت تحت يدها الملوك .

          فلما رآها الهدهد وجاء قال له سليمان : ما الذي غيبك ؟ " قال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ " وسبأ هي القبيلة التي هي من أولاد سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . وهو اسم رجل .

          أخبرنا ابن الحصين ، قال أنبأنا ابن المذهب ، قال أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو عبد الرحمن بن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، عن ابن عباس ، قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبإ أرجل أم امرأة أم أرض ؟ فقال : بل هو رجل ولد له عشرة أولاد فسكن اليمن منهم ستة ومنهم بالشام أربعة . فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير . وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان " .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية