الكلام على قوله تعالى :
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله
قال المفسرون : نزلت هذه الآية من أجل النسيء الذي كانت العرب تفعله . والنسيء تأخير الشيء وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة . هذا ما تمسكت به من ملة إبراهيم ، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم لحرب تكون بينهم فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ثم يحتاجون إلى تأخير صفر ، ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة ، فكانوا يستنسئون الشهر الحرام ويستقرضونه .
قال الفراء : كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصدر من منى قام رجل من بني كنانة [ ص: 427 ] يقال له نعيم بن ثعلبة ، وكان رئيس الموسم فيقول : أنا الذي لا أعاب ولا أخاب ولا يرد لي قضاء . فيقولون : أنسئنا شهرا يريدون أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر . فيفعل ذلك . وقال مجاهد : أول من أظهر النسيء جنادة بن عوف الكناني فوافقت حجة أبي بكر الصديق ذا القعدة ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة فذلك حين قال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض .
أخبرنا عبد الأول ، أنبأنا الداودي ، أنبأنا ابن أعين ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن سلام ، أخبرنا عبد الوهاب ، أنبأنا أيوب ، عن محمد بن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .
أخرجاه في الصحيحين .
قال العلماء : أعلم الله عز وجل بهذه الآية أن عدد شهور المسلمين التي يعدونها اثنا عشر شهرا على منازل القمر . وقوله : في كتاب الله أي في اللوح المحفوظ الذي كتبه الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وإنما سماها حرما لمعنيين : أحدهما تحريم القتال فيها . والثاني : لتعظيم انتهاك الحرمات فيها .
وقوله تعالى : ذلك الدين القيم قال ابن قتيبة : يعني الحساب الصحيح والعدد المستوي .


