قوله تعالى : وبالوالدين إحسانا   وهو البر والإكرام إما يبلغن  قال  الفراء :  جعلت يبلغن فعلا لأحدهما وكرر عليه كلاهما  وقرأ  حمزة  والكسائي :   " يبلغان " على التثنية ، لأنهما قد ذكرا قبل ذلك ، ثم قال : أحدهما أو كلاهما  على الاستئناف كقوله فعموا وصموا  ثم استأنف فقال : كثير منهم   . 
فلا تقل لهما أف  أي لا تقل لهما كلاما تتبرم فيه بهما إذا كبرا : قال ابن منصور اللغوي :  أصل أف نفخك الشيء يسقط عليك من تراب أو نحوه ، وللمكان تريد إماطة الأذى عنه ، فقيلت لكل مستقل . 
قوله تعالى : ولا تنهرهما  أي لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما ، قال  عطاء بن أبي رباح :  لا تنفض يدك عليهما ، قال العلماء : إنما نهى عن الأذى لهما في حالة الكبر وإن كان منهيا عنه في كل حال ، لأن حال الكبر يظهر فيها منهما ما يضجر ويؤذي ، وتكثر خدمتهما . 
وقل لهما قولا كريما  أي لينا لطيفا أحسن ما تجد ، وقال  سعيد بن المسيب :  قول العبد المتذلل للسيد الفظ . 
واخفض لهما جناح الذل  أي ألن لهما جانبك متذللا لهما من رحمتك إياهما . وخفض الجناح عبارة عن السكون وترك التصعب والإيذاء وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا  أي مثل رحمتهما إياي في صغري حين ربياني . 
أخبرنا  هبة الله بن محمد  أنبأنا  الحسن بن علي ،  أنبأنا أبو بكر بن مالك ،  أنبأنا  عبد الله  [ ص: 158 ] بن أحمد ،  حدثني أبي ، حدثنا  وكيع ،  حدثنا مسعر  وسفيان ،  عن  حبيب بن أبي ثابت ،  عن أبي العباس المكي ،  عن  عبد الله بن عمر ،  قال : جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحي والدك ؟ " قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد "  . 
أخرجاه في الصحيحين . 
وبالإسناد حدثنا  وكيع  ، قال حدثنا سفيان ،  عن  سهيل بن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه   . 
أخبرنا علي بن عبد الله بن أحمد بن الحسن ،  وعبد الرحمن بن محمد ، قالوا حدثنا عبد الصمد بن المأمون ،  أنبأنا علي بن عمر السكري ،  حدثنا محمد بن علي بن حرب ،  حدثنا سليمان بن عمر ،  حدثنا  عيسى بن يونس .  ح . وأنبأنا  علي بن عبد الله ،  ومحمد بن عبد الباقي ،  أنبأنا أبو محمد الصريفيني ،  أنبأنا أبو حفص الكناني ،  أنبأنا أبو عبد الله بن مخلد ،  حدثنا يونس بن يعقوب ،  حدثنا  علي بن عاصم .  ح . وأنبأنا  محمد بن عبد الباقي ،  أنبأنا  أبو إسحاق البرمكي ،  حدثنا أبو محمد بن ماسي ،  أنبأنا  أبو مسلم الكجي ،  حدثنا  محمد بن عبد الله الأنصاري ،  عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري ،  عن أبيه عن جده ، قال : قلت : يا رسول الله من أبر ؟ قال : أمك ، قلت : ثم من ؟ قال : أمك ، قلت : ثم من ؟ قال : أمك ، ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب   . 
أخبرنا عمر بن ظفر ،  أنبأنا أبو غالب الباقلاوي ،  أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ،  أنبأنا أبو نصر النيازكي ،  أنبأنا أبو الخير الكرماني ،  حدثنا  البخاري ،  حدثنا  سعيد بن أبي مريم ،  أنبأنا محمد بن أبي جعفر بن أبي كثير ،  أخبرني  زيد بن أسلم ،  عن  عطاء بن يسار ،  عن  ابن عباس  رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها فقتلتها ، فهل من توبة ؟ قال : أمك حية ؟ قال : لا ، قال : تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت ، فسألت  ابن عباس :  لم سألته عن حياة أمه ؟ قال : إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة . 
وكان  أبو هريرة  رضي الله عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال : السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته فتقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فيقول :  [ ص: 159 ] رحمك الله كما ربيتيني صغيرا ، فتقول : رحمك الله كما بررتني كبيرة ، وإذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك . 
وقالت  عائشة  رضي الله عنها : كان رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر من كان في هذه الأمة بأمهما :  عثمان بن عفان  وحارثة بن النعمان   رضي الله عنهما . 
أما عثمان فإنه قال : ما قدرت أتأمل وجه أمي منذ أسلمت ، وأما حارثة  فكان يطعمها بيده ولم يستفهمها كلاما قط تأمره به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج : ماذا قالت أمي ؟ . 
وكان حجر بن عدي بن الأدبر  يلتمس فراش أمه بيده فيتهم غلظ يده ، فينقلب عليه على ظهره ، فإذا أمن أن يكون عليه شيء أضجعها . 
وكان ظبيان بن علي  من أبر الناس بأمه ، فباتت ليلة وفي صدرها عليه شيء فقام على رجليه قائما يكره أن يوقظها ويكره أن يقعد ، حتى إذا ضعف جاء غلامان من غلمانه فما زال معتمدا عليهما حتى استيقظت من قبل نفسها . 
وكان  محمد بن سيرين  لا يكلم أمه بلسانه كلمة تخشعا لها ، وكان  محمد بن المنكدر  يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه : ضعي قدمك عليه ! وقال  ابن المنكدر :  بت أغمز رجل أمي وبات أخي  عمر  يصلي ، وما يسرني أن ليلتي بليلته ! 
وروينا عن  ابن عون  أن أمه نادته فأجابها ، فعلا صوته على صوتها فأعتق رقبتين . 
وقال  بشر الحافي :  الولد يقرب من أمه بحيث يسمع أمه أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله ، والنظر إليها أفضل من كل شيء ! . 
وفي الصحيحين من حديث  أنس  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في الكبائر عقوق الوالدين ، وفيهما من حديث  جبير بن مطعم  عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يدخل الجنة قاطع  قال سفيان :  قاطع رحم . 
وفي حديث  عبد الله بن عمرو  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يدخل الجنة عاق   . 
وقال محمد بن محيريز :  من مشى بين يدي أبيه فقد عقه إلا أن يمشي فيميط الأذى عن طريقه ، ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه إلا أن يقول يا أبت . 
 [ ص: 160 ] وفي حديث  أبي أسيد  أن رجلا قال : يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما ؟ قال نعم ، خصال أربع : الدعاء والاستغفار لهما ، وإيفاء عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما   . 
وروى  ابن عمر  رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أبر البر صلة المرء أهل ود أبيه بعد أن توفي  . 
أخبرنا  ابن الحصين ،  أنبأنا  ابن المذهب ،  أنبأنا أبو بكر بن مالك ،  أنبأنا  عبد الله بن أحمد ،  حدثني أبي ، حدثنا يحيى بن غيلان ،  حدثنا رشدين ، عن زيان ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ،  عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  " إن لله تعالى عبادا لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم " قيل له : من أولئك يا رسول الله ؟ قال " متبرئ من والديه راغب عنهما ، ومتبرئ من ولده ، ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم "  . 
وفي الصحيحين من حديث  عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل : يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه "   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					