الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الوصية لا يقبلها الموصى [له]

                                                                                                                                                                              كان أبو ثور يقول: إذا أوصى الرجل لرجل [بأبيه] أو بذي رحم محرم منه، أو غير محرم، أو ما أوصى له به من شيء: فإنه لا يدخل في ملك الموصى له إلا بقبول منه، إلا الميراث فإنه يجب له بالموت لا بالإعطاء .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي كما قال أبو ثور، وقال: إذا أوصى الرجل لرجل بامرأة قد ولدت من الموصى له فلم يعلم بالوصية حتى مات بعد الموصي: فإنه ينبغي أن يكونوا ورثته بمنزلته، لا يجبرهم على القبول، ولكنا ندع القياس في هذا، ونجبرهم على القبول، ونجعلها من مال الموصى له الميت . [ ص: 164 ]

                                                                                                                                                                              وحكى أبو ثور عن الشافعي رحمه الله أنه قال في المسألة الأولى: الوصية للموصى له، وإن مات الموصى له قبل أن يعلم الوصية: فهي للورثة .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : ففي قول أبي عبد الله يعتق الولد والوالد على الموصى له، وإن لم يعلم .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : وإذا أوصى الرجل للرجل بوصية، فردها في حياته ثم قبلها بعد موته، فإن كان الموصي أوقفها عليه فقبلها بعد الموت فجائز، وإن كان لم يوقفها عليه، أو أحالها إلى غيره في حياة، فليس له شيء .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: لا يكون قبول ولا رد في وصية في حياة الموصي، كان له أن يفعل لو قبل الموصى له قبل موت الموصي، كان له أن يرد إذا مات، ولو رد في حياة الموصي كان له أن يقبل إذا مات، وتجبر الورثة على دفع ذلك، لأن تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصي فأما في حياته فقبوله ورده وصمته سواء، لأن ذلك كله فيما لم يملكه. وهكذا لو أوصى له بأبيه وأمه وولده، كانوا كسائر الوصية إن قبلهم بعد موت الموصي عتقوا وإن ردهم فهم مماليك، ولو مات الموصي، ثم مات الموصى له قبل أن يقبل أو يرد، كان لورثته أن يقبلوا أو يردوا، فمن قبل منهم فله نصيبه [بميراثه] مما قبل، ومن رد كان ما رد لورثة الميت .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا أوصى الرجل بوصية، ثم مات فأبى الموصى له أن يقبل في حياة الموصي، ثم قبل بعد موته، فإن ذلك [ ص: 165 ] جائز من الثلث. وإذا أوصى رجل لرجلين بالثلث فقبل أحدهما ورد الآخر: فللذي قبل نصف الثلث في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي، وقياس قول الشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا قبل الموصى له بعد الموت، ثم ردها على الورثة: فهي ميراث بينهم، فإن أبوا أن يقبلوا لم يجبرهم على قبولها، لأنه قد ملكها الموصى له بالقبول .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي كذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: إن قبلها فقد ملكها، فإذا ردها عليهم، فالرد كالهبة منه لهم، ويجب أن يكون ذلك بينهم على قدر رؤوسهم، لأن ظاهر ذلك أنه وهب ذلك لجميعهم، ومن وهب شيئا لجماعة، كان ذلك بينهم على السواء، إلا أن يؤثروا بعضا على بعض . [ ص: 166 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية