الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الشغار

                                                                                                                                                                              ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار .

                                                                                                                                                                              7252 - أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار . [ ص: 359 ]

                                                                                                                                                                              والشغار: أن يزوج الرجل ابنته الرجل، على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق .

                                                                                                                                                                              7253 - أخبرنا إسحاق ، عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر ، عن ثابت وأبان ، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شغار في الإسلام " .

                                                                                                                                                                              والشغار أن يبدل الرجل الرجل أخته بأخته .

                                                                                                                                                                              7254 - وأخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا حجاج قال: قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار .

                                                                                                                                                                              7255 - حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أنس بن عياض قال: حدثني حميد ، عن الحسن، عن عمران بن حصين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا جلب، ولا جنب، ولا شغار في الإسلام " . [ ص: 360 ]

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل ينكح الرجل أخته على أن يزوجه الآخر أخته يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: النكاح جائز، ولكل واحدة منهما صداق مثلها. وروي هذا القول عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، ومكحول ، والزهري .

                                                                                                                                                                              وقال الثوري: الشغار في الإماء مثل الشغار في الحرائر، وإذا شاغر فلها مهر مثلها .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في الشغار: النكاح جائز، ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن دخل بها، ولا يحل له فرجها بغير مهر، وإنما المنهي في هذا أن يستحل الفرج بغير مهر، وإن طلقها قبل أن يدخل بها فإن لها المتعة، وهذا قول النعمان ، ويعقوب . [ ص: 361 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: عقد النكاح على الشغار باطل، وإن أصاب كل واحدة منهما من عقد عليها هذا النكاح، فلكل واحدة منهما مهر مثلها وعليها العدة، وهو كالنكاح الفاسد في كل أحكامه لا يختلف، هذا قول الشافعي وأحمد، وإسحاق ، وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يرى أن يفسخ نكاح الشعار على كل حال. وبه قال أبو عبيد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا يجوز نكاح الشغار، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وليس مع من أبطل نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها غير نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمفرق بين النهيين متحكم، لا حجة معه إذا أبطل أحد النكاحين وأثبت الآخر .

                                                                                                                                                                              وفي هذه المسألة قول ثالث: وهو أن المتشاغرين بالمرأتين إن كانتا لم يدخل بهما فسخ النكاح، واستقبلا نكاحا مستقبلا بالبينة والمهر، وإن كانتا قد دخل بهما فلهما مهر مثلهما، هذا قول الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              ودل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار، على إغفال من زعم أنه يجعل ما أباحه الله من كتابه من عقد النكاح على غير صداق معلوم قياسا [ ص: 362 ] على ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشغار، وذلك عندي من إغفال من شبه ما أباحه الله ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يقول للرجل: أزوجك أختي على أن تزوجني أختك على أن سميا لكل واحدة مهرا أو سميا لإحداهما مهرا دون الأخرى .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ليس هذا بالشغار المنهي عنه، والنكاح ثابت، والمهر فاسد، ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن دخل بها أو ماتت أو مات عنها، ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها أو مات. هكذا قال الشافعي رحمه الله وكره مالك هذا النكاح ورآه من وجه الشغار. وكان الأوزاعي يقول: إذا قال: أزوجك أختي بأربعين وتزوجني أختك بمثل ذلك. ومهورهما أكثر من ذلك قال: لا أحب ذلك، لأنه يضاهى به الشغار. وقال أصحاب الرأي: ولو زوج أحدهما ابنته الآخر على مهر، على أن يزوجه الآخر بمثل ذلك المهر كان هذا جائزا، وكان لكل واحدة منها من المهر ما سمى لها، ونصف ذلك إن طلقها قبل أن الدخول. وكان أحمد بن حنبل يقول: إن كان في الشغار صداق، وكان فيه شرط أن يزوج كل واحد منهما صاحبه، فقال: أما إذا كان صداق فليس بشغار . [ ص: 363 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية