الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر تحريم ابنة الأخ من الرضاعة

                                                                                                                                                                              7409 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ومعمر قالا: حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة، عن زينب ابنة أبي سلمة ، عن أم حبيبة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هل لك في أختي ابنة أبي سفيان ؟ قال: "فأفعل ماذا؟ " قلت: تنكحها. قال: "أختك" قالت: نعم. قال: "أوتحبين ذلك؟ " قالت: نعم لست لك بمخلية، وأحب - أو قالت: [ ص: 547 ] وأحق - من شركني في خير أختي، قال: "فإنها لا تحل لي". قالت: والله! لقد خبرت أنك تخطب درة ابنة أبي سلمة ، قال "ابنة أبي سلمة ؟! " قالت: نعم. قال: "فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" .

                                                                                                                                                                              7410 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبي، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال: قلت: يا رسول الله ما لك تتوق في نساء قريش، وتدعنا. قال: "أعندكم شيء؟ " قال: قلت: نعم، ابنة حمزة. قال: "إنها لا تحل لي، هي ابنة أخي من الرضاعة " .

                                                                                                                                                                              وممن قال بأن الرضاعة تحرم منه ما يحرم من الولادة: عائشة ، وابن عباس ، وعبد الله بن مسعود .

                                                                                                                                                                              7411 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة قالت: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة . [ ص: 548 ]

                                                                                                                                                                              7412 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب .

                                                                                                                                                                              7413 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبيد ، حدثنا أبي زائدة، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .

                                                                                                                                                                              وقال بجملة هذا القول: أهل المدينة ، وسفيان الثوري ، والنعمان ، ومن تبعهما من أهل الكوفة وأهل الشام ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو عبيد، وكل من نحفظ عنه من أهل العلم. وإنما اختلفوا في فروع سنذكرها في مواضعها - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) . [ ص: 549 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فلما حرم الله - جل ثناؤه - الأم والأخت من الرضاعة احتمل أن لا يحرم غيرها، واحتمل أن يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، فلما ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الرضاع يحرم ما يحرم النسب، وجب قبول ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا أرضعت امرأة الرجل جارية، حرمت على أبيه، وعلى ابنه، وعلى جده، وعلى بني بنيه، وبني بناته، وعلى كل (ولدان) ذكر وولد ولده، وعلى كل جد له من قبل أبيه وأمه، وإذا كان المرضع غلاما حرم عليه ولد المرأة التي أرضعته، وأولاد الرجل الذي أرضع هذا الصبي بلبنه فلا تحل له عمته من الرضاعة، ولا خالته، ولا ابنة أخيه، ولا ابنة أخته من الرضاعة، ولا بأس بأن يتزوج الرجل المرأة التي أرضعت (ابنته) ، وكذلك يتزوج بنت المرأة التي هي رضيع ابنه، ولأخي هذا الصبي الرضيع أن يتزوج المرأة التي أرضعت أخاه ويتزوج ابنتها التي هي رضيع أخيه، وما أراد من ولدها [وولد] ولدها إنما يحرم نكاحهن على المرضع، وللرجل أن يتزوج ابنة عمه، وبنت عمته من الرضاعة، وابنة خالته، وابنة خاله من الرضاعة، لأن نكاحهن يباح من النسب، والرضاع يقوم مقامه، ولا يجمع الرجل بين أختين من الرضاعة، ولا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها من الرضاعة . [ ص: 550 ]

                                                                                                                                                                              وكل هذا على مذهب مالك، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي. ولا يتزوج الرجل بنته من الرضاعة، ولا بنات ابنته، ولا بنات أخته من الرضاعة، ولا بنات أخيه من الرضاع، لأن تحريم ذلك كتحريمه من النسب، والعبد، والمكاتب، والمدبر، والأمة، وأم الولد، والمكاتبة، والحر، والحرة، في ذلك كله سواء .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية