الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل من باب الرضاعة

                                                                                                                                                                              [قال أبو بكر ] : كان الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي، وابن القاسم صاحب مالك يقولون: في صبيين شربا من لبن البهيمة: أن ذلك لا يكون رضاعا. وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              وقال [ أبو ثور ] ، وأصحاب الرأي: لو أن امرأة حلبت ما يحرم من اللبن في إناء ثم ماتت فأسقيه صبي، حرم عليه منها ما يحرم بالرضاع وهي حية. وكذلك لو حلب من ثديها بعد الموت فأسقيه صبي كان كذلك أيضا، وذلك أن الشيء الذي به يحرم هو اللبن. وكذلك قال ابن القاسم صاحب مالك .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : إذا رضع صبي من لبن امرأة ميتة حرم عليه بناتها، لأن اللبن لا يموت. وكان الشافعي لا يجعل لما يحلب بعد الموت [ ص: 573 ] حكما قال: لأنه لا يكون للميت فعل. وكان يقول: إذا أرضعت امرأة صبيا أربع رضعات ثم حلب منها لبن، ثم ماتت، فأوجره الصبي بعد موتها كان ابنها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبالقول الأول أقول، لأن المعنى الذي يقع به التحريم [اللبن، واللبن قائم في حياتها، وبعد وفاتها، وليس الذي يقع به التحريم] الميتة، فيكون لها فعل، ولا يجوز أن يقال: مات اللبن لموتها، إذ لا روح في اللبن، فحكم ذلك في حياتها وبعد وفاتها واحد، غير أنه لبن نجس إذ هو في ظرف ميت .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : وإذا أقر الرجل أن امرأة أمه من الرضاعة أو ابنته من الرضاعة، ولم ينكح واحدة منهما، وكان لها سن يحتمل أن يرضع مثلها مثله لو ولدته، لم تحلل له واحدة منهما أبدا في الحكم، ولا من بناتهما، ولو قال مكانه: غلطت أو وهمت لم يقبل منه، لأنه قد أقر أنهما ذواتا محرم منه، قيل: يلزمه لهما، أو يلزمهما له شيء، وكذلك قال أبو ثور . قالا: وكذلك لو كانت هي المقرة بذلك [وهو يكذبها ثم قالت] : غلطت، لأنها أقرت به في حال (لا تدفع بها عن [ ص: 574 ] نفسها) ، قالا: وإن قال هذا بعد النكاح، ولم يدخل بها، فأقرت بذلك، فرق بينهما، ولا مهر لها، ولا متعة، وإن كذبته فرق بينهما، وجعل عليه نصف الصداق لها. وإن أرادا ما هي أخته من الرضاعة، فإن حلفت كان لها نصف المهر، وإن نكلت حلف على أنها أخته وسقط عنه نصف المهر. وإن كانت هي المدعية بعد النكاح لم تصدق على إفساد النكاح، ويستحلف لها. فإن حلف أثبت النكاح، وإن نكل حلفت وفسخ النكاح، ولا شيء لها، وإن لم تحلف فهي امرأته .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا قال لامرأة هي أخته من الرضاعة أو أمه من الرضاعة، ثم أراد بعد ذلك أن يتزوجها وقال: إنما وهمت أو أخطأت، أو نسيت، فصدقته المرأة فإنهما يصدقان، وله أن يتزوجها إن شاء، وإن ثبت على قوله الأول، فقال: هو حق كما قلت، ثم تزوجها، فإنه يفرق بينهما، وأمهرها إن لم يكن دخل بها، ولو أقرا جميعا بذلك ثم أكذبا أنفسهما وقالا: أخطأنا ثم تزوجها، فإن النكاح جائز، لا يفرق بينهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : بقول الشافعي أقول .

                                                                                                                                                                              [ ص: 575 ] واختلفوا في الرجل يطلق المرأة رجاء أن تنقضي عدتها، وتنكح آخر فتحمل منه فقالت طائفة: اللبن منهما جميعا. كذلك قال الشافعي إذ هو بالعراق، وقال بمصر: وإذا ثاب لها لبن في الوقت الذي يكون لها فيه لبن من الحمل الآخر، كان اللبن من الأول بكل حال، ولو كان لبنها ينقطع، فلم يثب حتى كان هذا الحمل الآخر في وقت يمكن أن يثوب فيه اللبن من الآخر ففيها قولان: أحدهما: أن اللبن من الأول .

                                                                                                                                                                              والآخر: إذا انقطع الانقطاع البين ثم ثاب فهو من الآخر .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : اللبن للأول حتى يصير في الحال التي ينزل للحامل لبن، وإذا كان ذلك الحال كان اللبن للأخير، وإن كان يمكن أن يكون اللبن في الثديين حتى يدركه الثاني كان منهما .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : اللبن من الأول حتى [تلد] .

                                                                                                                                                                              قال أبو يوسف: إن عرف أن هذا اللبن من الحمل الثاني فهو من الآخر وقد انقطع من الأول .

                                                                                                                                                                              وقال محمد: أستحسن أن يكون منهما جميعا حتى تضع .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن حكم لبن الأول ينقطع بالولادة من الزوج الثاني . [ ص: 576 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية