الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر نكاح نساء أهل الكتاب

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في تأويل قول الله - جل ذكره - : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) الآية .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: حرم الله نكاح نساء أهل الكتاب فأحلهن في سورة المائدة، ولكن سائر المشركات على أصل التحريم في سورة البقرة، روي هذا القول عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              7332 - ومن حديث إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثنا يزيد النحوي، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في قوله: ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) الآية، نسخ من ذلك نساء أهل الكتاب فأحلهن للمسلمين .

                                                                                                                                                                              وقد رويت أخبار تدل على هذا المعنى هي مثبتة في كتاب التفسير .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: ليس في الآيتين ناسخ ولا منسوخ، ولكن الله أراد بالآية التي في البقرة المشركات سوى أهل الكتاب، روي هذا القول عن قتادة . وقال سعيد بن جبير في قوله: ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) أهل الأوثان والمجوس .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في نكاح نساء أهل الكتاب، فرخص في نكاحهن أكثر أهل [ ص: 471 ] العلم، روي هذا القول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعثمان بن عفان ، وجابر بن عبد الله ، وروي أن طلحة تزوج يهودية .

                                                                                                                                                                              7333 - حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد قال: سمعت زيد بن وهب الجهني قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن المسلم ينكح النصرانية، ولا ينكح النصراني المسلمة .

                                                                                                                                                                              7334 - أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان، عن عمرو مولى المطلب، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، أن عثمان بن عفان تزوج بابنة الفرافصة وهي نصرانية ملك عقدة نكاحها وهي نصرانية .

                                                                                                                                                                              7335 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن يريم ، أن طلحة بن عبيد الله تزوج يهودية .

                                                                                                                                                                              7336 - حدثنا إسحاق قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية. فقال: تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ، ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا، فلما رجعنا طلقناهن، قال: ونساؤهم لنا حل ونساؤنا عليهم حرام . [ ص: 472 ]

                                                                                                                                                                              وممن رخص في نساء أهل الكتاب: عطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، والزهري ، وسفيان الثوري ، والشافعي رحمه الله وأحمد بن حنبل ، وهو قول عامة أهل المدينة ، وعوام أهل الكوفة .

                                                                                                                                                                              وقد رويت أخبار عن الأوائل أنهم كرهوا نكاحهن روي أن حذيفة تزوج يهودية فكتب إليه عمر أن يفارقها قال: إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات .

                                                                                                                                                                              وكان ابن عمر يكره أن يتزوج نساء أهل الكتاب، ويقول: قد أكثر الله عز وجل المسلمات .

                                                                                                                                                                              7337 - حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا عبد الله، عن سفيان قال: حدثنا الصلت بن بهرام قال: سمعت أبا وائل يقول: تزوج حذيفة يهودية [ ص: 473 ] فكتب إليه عمر أن يفارقها، قال: إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات .

                                                                                                                                                                              7338 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد، عن عبد الله، عن عمر، عن نافع أن ابن عمر كان يكره أن يتزوج نساء أهل الكتاب، ويقول: قد أكثر الله المسلمات .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أباح الله نكاح أهل الكتاب فقال: ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) الآية .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فنكاح نساء أهل الكتاب مباح بظاهر الكتاب، فأما كراهية عمر بن الخطاب رضي الله عنه نكاحهن فليس ذلك تحريم من عمر، ألا ترى أن في بعض ما رويناه من الأخبار أن حذيفة كتب إليه لما عزم عليه أن يطلقها أحرام هي؟ فقال: لا. وكذلك قول ابن عمر يدل على ذلك، ألا تراه يقول: قد أكثر الله المسلمات ولو كان نكاحهن حرام عند الله كان حراما بكل وجه كثرت المسلمات أو لم يكثرن . [ ص: 474 ]

                                                                                                                                                                              واختلف أهل العلم في نكاح الكتابيات من أهل دار الحرب .

                                                                                                                                                                              فكرهت طائفة ذلك، وممن كره ذلك: ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو عياض .

                                                                                                                                                                              7339 - حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا أبو بكر ، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال: لا يحل نكاح نساء أهل الكتاب إذا كانوا حربا .

                                                                                                                                                                              قال الحكم: فحدثت به إبراهيم فأعجبه ذلك .

                                                                                                                                                                              وبه قال سفيان الثوري ، وكان مالك بن أنس يقول في نساء أهل الحرب من أهل الكتاب: إن كانوا المسلمين إذا نكحوهم يتركون أن يخرجوا بهن وبأولادهن إلى أرض الإسلام فلا بأس بذلك، وإن خافوا الحبس فلا ينبغي لمسلم أن يترك ذريته في أرض الكفر .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية