الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه "

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: كان مالك بن أنس يقول: تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ": أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق معلوم قد تراضيا عليه، وهي تشترط بنفسها. فتلك [الحال] التي نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه ألا يخطبها آخر فهذا باب فساد يدخل على الناس. قال مالك: هذا معنى ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى - والله أعلم . [ ص: 244 ]

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: وجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه إنما نهى عنها في حال دون حال، واحتج بحديث مالك .

                                                                                                                                                                              7161 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك : عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فبتها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وقال: "إذا حللت فآذنيني "، فلما حللت، أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة ". قالت فكرهته، قال: "انكحي أسامة ". فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي رحمه الله: فكان بينا أن الحال التي يخطب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على أسامة غير الحال التي نهى عن الخطبة فيها، ولم يكن للمخطوبة [حالان] مختلفا الحكم إلا بأن تأذن المخطوبة بإنكاح رجل بعينه، فيكون الولي إن زوجها جاز النكاح، فلا يكون لأحد أن يخطبها في هذه الحال حتى يأذن الخاطب (و) يترك خطبتها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبنحو من قول مالك قال يحيى الأنصاري ، قال أبو عبيد : فهو عندنا وجه الحديث، وبه يقول أهل المدينة، وأهل العراق [ ص: 245 ] أو أكثرهم، واحتج أبو عبيد بالحديث الذي احتج به الشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في عقد نكاح من خطب على خطبة أخيه في الحال المنهي عنه، وكان مالك يقول: إذا كان هكذا فملكها آخر، ولم يدخل بها فإنه يفرق بينهما، وإن دخل بها مضى النكاح، وبئس ما صنع حين خطب امرأة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخطب على تلك الحال. وكان الشافعي رحمه الله يقول: وإذا خطب في الحال التي نهى أن يخطب فيها، فهي معصية يستغفر الله منها، فإن تزوجته بتلك الحال فالنكاح ثابت بعد الخطبة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: هكذا أقول، لأن النكاح لا يخلو من أحد معنيين: إما أن يكون انعقد فلا معنى للتفريق بين زوجين قد انعقد نكاحهما بغير حجة، أو لا يكون انعقد، فغير جائز أن تصير امرأة ليست بزوجة بالوطء مزوجة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية