الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الرجل يأمر أن يشترى عبد بعينه ويعتق عنه

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يأمر في مرضه بأن يشترى عبد فلان بألف درهم ويعتق عنه، فاشتروه بخمسمائة درهم والبائع لا يعلم به .

                                                                                                                                                                              فكان سفيان الثوري يقول: هذه وصية جعلتها له - يعني لمولى العبد - نقول: يعطى الخمسمائة الباقية .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن الخمسمائة ترد إلى ورثته. هذا قول أحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن الشراء جائز، والخمسمائة الباقية تجعل في العتق؛ لأن الميت حين قال: اشتروا عبد فلان بألف درهم، فقد مضى قوله في الألف أن تصرف إلى العتق، ولا يكون للورثة منه شيء أبدا، هذا قول إسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول في الرجل يوصي أن يباع غلامه رقبة: إنا لنقول أن يوضع الثلث من ثمنه، ويبدى على الوصايا، إلا أن يكون معه مثله، ابن وهب عنه. وحكى أشهب عنه في هذه أنه قال: أرى أن يجعل فيه الثلث كله، إذا لم يكن معه فيه رقبة غيره ممن يحاصه .

                                                                                                                                                                              وحكي عن الأوزاعي أنه قيل له: مريض أوصى أن تباع جاريته ممن يتخذها، فيوضع في ثمنها لمن يشتريها، فقال: ما نقص من ثمنها فهو وصية في ثلثه . [ ص: 76 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا أوصى رجل أن يبيعوا عبده نسمة فإن لم يجدوا من يشتريه إلا بوكس حطوا ما بينه وبين الثلث. وإذا أوصى أن يباع ولم يقل نسمة ولا للعتق فهذا باطل. وإن أوصى أن يباع من رجل، ولم يسم ثمنا بيع بقيمته. وإن أوصى بعتق عبد له، وأوصى ببيع آخر بكذا وكذا، وحط من ثمنه مقدار الثلث من جميع ماله، والعبد الذي أوصى بعتقه نصف قيمته، ويباع العبد الذي أوصى ببيعه، ويحط نصف الثلث من ثمنه .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: وإذا أوصى لرجل بعبده، ثم أوصى أن يباع من فلان بثمن يحط عنه فيه الثلث، ولا مال له غيره، قال: لصاحب الوصية بالعبد ثلث العبد، وليس للذي أوصى أن يباع منه شيء، وذلك أن البيع لا يجوز إلا ما يتغابن الناس بمثله، ولو فعل هذا [و] هو في صحته كان بيعه باطلا، لأنه متلف لماله، وإذا أوصى الرجل أن يباع عبد له نسمة، وهو يخرج من الثلث، بيع لمن يعتقه، ولا يلزم الورثة أن يحطوا من الثمن شيئا. وإذا أوصى أن يباع ولم يقل نسمة، ولا للعتق أو أوصى أن يباع من رجل يعينه الموصي، ولا شيء للموصى له، وسائر مال الميت، فإن بقي الشيء الموصى له به بعينه، ولم يسم ثمنا فهو باطل. وإذا أوصى لرجل بعتق عبده فأبى العبد عتق إذا خرج من الثلث، ولا ينظر إلى رضاه. وهذا على قول مالك بن أنس ، والشافعي، وغيرهما . [ ص: 77 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية