الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر عقد السيد نكاح أمته على نفسه بإيجاب العتق لها

                                                                                                                                                                              ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                              7461 - حدثنا يحيى بن محمد ، ثنا مسدد ، حدثنا عبد الوارث، عن شعيب، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                              7462 - حدثنا علي، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد، عن شعيب بن الحبحاب وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية ، وجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                              7463 - حدثنا يحيى، حدثنا مسدد ، حدثنا حماد، عن عبد العزيز بن صهيب وثابت البناني، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس، ثم ركب فقال: الله أكبر، خرجت خيبر ..... وذكر بعض الحديث وظهر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل المقاتلة، وسبى الذراري، فصارت [ ص: 597 ] صفية لدحية الكلبي، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تزوجها، وجعل صداقها عتقها، فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، فتبسم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فهذا حديث لا يختلف أهل المعرفة بالحديث في ثبوته، وجودة إسناده، فاعترض في ذلك معترض من أهل الكوفة، فقال - حيث لم يوافق هذا الحديث مذاهب أصحابه ولم يمكنه دفع إسناده - هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاص، فجعل ما أبيح للناس الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيه له خاصا بغير حجة، ولو جاز ذلك لم يشأ من بلغه حديث لا يوافق مذاهب أصحابه أن يفعل كفعله، إذا يعجز عن مثل هذا أحد، ثم قصد إلى ما خص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه، فجعله له خالصا من دون المؤمنين، فقال: إذا وهبت المرأة نفسها للرجل وقبلها شهود، أن يلزمه لها مهر مثلها، إن مات عنها أو دخل بها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة، فجعل ما خص الله به نبيه عليه السلام عاما للناس، وحظر على الناس الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما هو لهم مباح أن يقتدوا به، فجعله خاصا بغير حجة، حيث لم يوافق مذاهب أصحابه، وقد [ ص: 598 ] أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الوجد من مثل هذا وشبهه، من ذلك:

                                                                                                                                                                              7464 - أن الربيع بن سليمان أخبرنا قال: أخبرنا وهب ، أخبرني مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي يونس - مولى عائشة - عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع: يا رسول الله إني أصبح جنبا، وأنا أريد الصيام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أصبح جنبا، وأنا أريد الصيام، ثم أغتسل، فأصوم". قال الرجل: إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي" .

                                                                                                                                                                              7465 - وروي عن عائشة أنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه، وكأنهم كرهوه، وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: "ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه، وتنزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله، وأشدهم له خشية" .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم في الرجل يعتق أمته، ويجعل عتقها صداقها. فممن فعل ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك ، وهو الراوي قصة صفية ، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها، ولو كان ذلك له خاصا لم يرتكب أنس ما لا يجوز من الفعل . [ ص: 599 ]

                                                                                                                                                                              7466 - حدثنا موسى، حدثنا خلاد بن أسلم، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن حميد ، عن أنس أنه أعتق جارية له، وجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                              وممن قال بهذا القول: سعيد بن المسيب ، وطاوس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، والزهري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو كراهية ذلك. كره ذلك ابن عمر .

                                                                                                                                                                              وقال مالك: لا يصلح ذلك .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا قالت له أمته: أعتقني على أنكحك، وصداقي عتقي، فأعتقها على ذلك، فلها الخيار في أن تنكح أو تدع، ويرجع عليها بقيمتها. وإن نكحته و [رضي] بالقيمة التي له عليها: فلا بأس . [ ص: 600 ]

                                                                                                                                                                              7467 - وقد روي عن ابن سيرين : أنه كان يحب أن يجعل لها مع عتقها شيئا ما كان .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإذا أراد أن يعتق أمته، ويتزوجها، ويجعل عتقها صداقها، قال: قد أعتقتك على أن أتزوجك مع عتقي إياك، وجعلت صداقك عتقك .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : إن قال: قد أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك فهو جائز .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية