الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اتفاقهما في المهر واختلافهما في القبض

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل والمرأة يختلفان في قبض الصداق وقد أنكرت المرأة القبض .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: القول قول المرأة مع يمينها، يروى هذا القول [ ص: 367 ] عن الشعبي ، وسعيد بن جبير ، وبه قال ابن شبرمة، وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والشافعي - رحمه الله - وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وحكي ذلك عن النعمان .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا كانت مدخولا بها فالقول قول الزوج، هذا قول مالك، قال مالك: وليس يكتب الناس في الصداق البراءات، وإن لم يكن دخل بها حلفت المرأة بالله ما دفع إلي شيئا، ولا وصل إلي ثم تأخذ حقها، هذا قول مالك. وقال سليمان بن يسار ، وعبيد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وخارجة بن زيد، وعروة بن الزبير : كل امرأة دخلت على زوجها فذلك يقطع صداقها، إلا أن يكون لها عليه بعد دخولها، تفريع شهود أو كتاب، فإن لم يكن لها تفريع شهود ولا كتاب بعد دخولها فليس لها إلا يمينه . [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                              وقال إياس بن معاوية : إذا دخل بها فلا دعوى لها في العاجل، وهكذا قال أبو عبيد . قال أبو عبيد : إذا أهديت إلى زوجها طائعة صالحة، تعقل أمرها، وتعلم ما اشترط لها وعليها، فإن هذا إقرار منها بقبض العاجل خاصة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هذا غلط منه رحمه الله وسهو، كيف يجوز أن يجعل إنكارها أن تكون قبضت بسكوت تقدم منها إقرار .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأصح من ذلك أن من علم قبله حق لأحد، فالحق ثابت عليه لا يبرئه منه إلا ببينة تشهد على إقرار الذي له الحق، أن الذي عليه الحق قد برئ منه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على المدعي ". والزوج مدع للمرأة بما كان عليه، فإن لم تكن بينة حلفت المرأة وقبضت مالها .

                                                                                                                                                                              وفي هذا الباب قول ثالث: وهو أن على الزوج المخرج من المهر ما كان حيا، بعد أن تحلف المرأة على دعوى الزوج، وإن مات فجاءت بينة بعد موته على صداقها، أخذت به ورثته، وإن لم يكن لها بينة فلا شيء على ورثته، هذا قول الزهري .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإن ماتا فاختلفت ورثته وورثتها في القبض، فالقول قول ورثتها مع أيمانهم ما يعلمون أنها قبضت المهر، ولا يري الزوج [ ص: 369 ] إليها بوجه من الوجوه، ثم يقبض الصداق من مال الزوج إذا كان الصداق معلوما. هذا قول الشافعي رحمه الله وأحمد، وإسحاق ، وأبي ثور ، وقال أصحاب الرأي: ويستحسن في هذا أن يبطل المهر، ولا يقضى لهم بشيء إن كان دخل بها أو لم يدخل بها، إلا أن تقوم بينة على أصل المهر فأخذهم به هذا قول النعمان ، وقال يعقوب ومحمد : يرى لها المهر .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: زعم ابن القاسم أن في قول مالك: إن مات الزوج فادعت المرأة بعد موته أنها لم تقبض المهر، قال مالك: لا شيء لها إن كان دخل بها فإن لم يكن دخل بها فالصداق لها والقول قولها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : القول قول المرأة في حياتها، وقول ورثتها بعد وفاتها، بعد أن يحلفوا على علمهم على دعوى ورثة الزوج .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية