الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر صدقة التطوع والعتق عن الموصي

                                                                                                                                                                              ثبت أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أعتقت عن أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر عبيدا .

                                                                                                                                                                              وروينا عنها أنها أعتقت عنه بعدما مات .

                                                                                                                                                                              7100 - حدثونا عن بندار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد ، قال: سمعت القاسم بن محمد ، قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في مقيله ولم يوص، فأعتقت عائشة عنه عبيدا .

                                                                                                                                                                              وقال طاوس: في صدقة الحي عن الميت بخ. وأعجبه .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: يلحق الميت من فعل غيره، وعمله ثلاث: حج يؤدى عنه، ومال يتصدق به عنه أو يقضى، أو دعاء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على إجازة الصدقة عن الموتى، وإباحتها عنهم . [ ص: 191 ]

                                                                                                                                                                              7101 - أخبرنا محمد بن عبد الوهاب ، قال: أخبرنا جعفر بن عون ، قال: حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لي من أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم .

                                                                                                                                                                              حدثنا علي، عن أبي عبيد قال: افتلتت يعني ماتت فجأة لم تمرض فتوصي، ولكنها أخذت فلتة. وكذلك كل أمر فعل على غير تمكث وتلبث يقال: افتلتت، والاسم منه الفلتة .

                                                                                                                                                                              7101 - م حدثنا علان بن المغيرة ، قال: حدثنا ابن أبي مريم ، قال: أخبرنا محمد بن جعفر ، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" .

                                                                                                                                                                              7102 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا داود بن عمرو، قال: حدثنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رجلا قال لرسول الله: توفيت أمي ولم توص، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: "نعم " . [ ص: 192 ]

                                                                                                                                                                              7103 - وحدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا هشام، عن قتادة ، عن سعيد، أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله، إن أمي توفيت، أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم. قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : "سقي الماء" .

                                                                                                                                                                              7104 - حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا هشام، عن ابن جريج ، قال: أخبرني يعلى : أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: أنبأنا ابن عباس : أن سعد بن عبادة أخا بني ساعدة توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقت عنها؟ قال: "نعم ". قال: فإني أشهدك أن حائط [المخراف] صدقة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قال الله عز وجل: ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) وقد يجب أن يستثنى من ظاهر كتاب الله - جل وعز - بالأخبار الدالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دلت الأخبار الثابتة بإجازة الصدقة عن الموتى، وعامة أهل العلم يستعملون ذلك في القديم والحديث لا يتناكرونه، ولا نعلم منهم [ ص: 193 ] لذلك دافعا، وأما العتق عن الميت فلست أعلم فيه خبرا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم فيه فأجاز ذلك فريق .

                                                                                                                                                                              فمن حكي عنه أنه أجاز ذلك: الشافعي رحمه الله وقال بعض من يقول مثل قوله: إذا جاز أن يتطوع بإخراج الصدقة. وهو مال يخرجه المرء عن الميت. جاز أن يعتق عنه، لأن ذلك بر، وهذا بر، ويجمع ذلك أنه إخراج الأموال عن الموتى .

                                                                                                                                                                              وفرق غيره بين الصدقة والعتق فقال: الصدقة إنما أجزناها للأخبار الثابتة، ولولا الأخبار الدالة على ذلك لم نجزه، وأما العتق عنه فغير جائز، لأنا لا نعلم خبرا يدل على إجازة ذلك عنه، بل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق " دليل على المنع منه، والحي هو المعتق بلا أمر من الميت، والولاء له، وإذا ثبت الولاء للحي المعتق بلا أمر من الميت، فليس للميت [ ص: 194 ] شيء، وممن كان يجيز الحج التطوع عن الميت: الأوزاعي، وأحمد، وللشافعي رحمه الله فيها قولان: أحدهما إجازته، والآخر أن لا يجوز .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية