الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الموصي برأس من رقيقه أو بأكثر من ذلك غير مشار إليه ولا معلوم

                                                                                                                                                                              كان مالك يقول في الرجل يقول في وصيته: أحد رقيقي حر، ولم يسم واحدا منهم بعينه، قال: إن كانوا أربعة أعتق ربعهم بالقيمة يقومون جميعا ثم يقرع بينهم، فإن وقع السهم على من قيمته قيمة بقية الرقيق عتق منه قدر ربع قيمتهم، وكان ما بقي منه رقيقا للورثة، وإن وقع السهم على من قيمته أقل من ربع قيمتهم عتق كله [وكر] السهم [ ص: 67 ] على من بقي منهم، فأيهم وقع عليه السهم عتق منه - يعني بقيمة ربع قيمتهم - مع الأول الذي عتق .

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول: إذا أوصى فقال: أعتقوا أحد عبيدي هذين، يعتق أحدهما، ولهم أن يعتقوا أردأهما .

                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي يقول: إذا أعتق واحدة بعينها ثم أنسي الذي أعتق وله جاريتان، قومتا قيمة عدل، وسعت كل واحدة منهما في نصف قيمتها .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: إذا شهد شاهدان أنه أعتق عبدا له عتق بتات في مرضه الذي مات فيه وهو يخرج من الثلث، وشهد آخران لعبد آخر أنه أعتقه بتاتا، سئل عن الوقت الذي أعتقه، والشاهدان الآخران عن الوقت الذي أعتق العبد فيه، فأي العتقين كان أول قدم وأبطل الآخر، وإن كانا سواء وكانوا لا يعرفون أي ذلك كان أولا أقرع بينهما، وإن كان [ ص: 68 ] أحدهما عتق بتات، والآخر عتق وصية، كان البتات أولى، وإن كانا جميعا عتق وصية أو عتق تدبير، فكله سواء يقرع بينهما .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا قال الشهود أشهدنا أنه قد أعتق بعض عبيده ونسيناه، فشهادتهم باطلة. وإن قال: أعتق أحدهم ولم يسم، فهذا والأول سواء في القياس، ولكنا نستحسن فنعتق من كل عبد ثلثه، ويسعى في ثلثيه إذا كانوا ثلاثة، وإن كانوا أربعة عتق من كل واحد ربعه، ويسعى في الباقي، فكذلك ما كان عددهم، وذلك إذا كانت قيمتهم سواء، وإن كانت قيمتهم مختلفة أخذنا بأقلهم قيمة وأكثرهم قيمة فجمعت قيمتاهما جميعا ثم أخذنا نصف ذلك فقسمناه على قيمتهم. وكان أبو ثور يقول: إذا قال الشهود أشهدنا أنه قد أعتق بعض عبيده وقد نسيناه، كان لا يسترق شيء من ذلك العبيد حتى يعلم الحر من العبد، فإن مات الشهود ولم يبينوا فإنه يقرع بينهم، فيعتق واحد منهم. وكذلك لو شهد الشهود أنه أعتق أحدهم ولم يسم أقرع بينهم .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : إذا أوصى بعبد لرجل ولم يسمه وله رقيق يعطى أحسنهم، وكذلك قال إسحاق. وقال الشعبي في رجل له ثلاثة مملوكين وأعتق واحدا ولم يدر أيهم هو، قال: يعتق من كل واحد منهم الثلث ويستسعى في الثلثين، وكان الليث بن سعد يقول: في الرجل يقول لخدمه: أيتكن سقتني ماء فهي حرة وذلك من الليل، فسقي وهو وسنان [ ص: 69 ] من النوم، فإذا أصبح قال خدمه كل واحدة منهن: أنا التي سقيتك، قال الليث: كنت أرى أن يعتق كلهن عليه. وقد قال الليث في الرجل يعتق غلاما وله رقيق ولا يعلم أي غلام أعتق نسي ذلك، فقال الليث: أرى أن يسهم على أولئك الرقيق، ثم يعتق أحدهم، فإن ذكر بعد ذلك الغلام الذي كان أعتق عتق عليه أيضا .

                                                                                                                                                                              قال ابن وهب : أرى يعتقون أجمعين .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية