الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر وصية الرجل لعصبته وأهل بيته

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا اختلاف أعلمه في أن الرجل إذا أوصى لعصبته أن العصبة من قبل الأب، ولا تكون من قبل الأم .

                                                                                                                                                                              فاختلفوا في الرجل يوصي بثلث ماله لأهل بيته: فقيل لمالك : إذا أوصى الرجل بثلث ماله يقسم على أهله أترى أخواله من أهله [ ص: 44 ] الذين أوصى لهم؟ فقال مالك : العصبة هم الأهل، وهم أبين ثم قرأ: ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد ) ثم قرأ ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) قال: وإن لهؤلاء حقا، والعصبة عندي أبين قال: وإذا كان مثل هذا أجتهد فيه .

                                                                                                                                                                              وسئل أحمد عن رجل أوصى بثلث ماله لأهل بيته من أهل البيت؟ قال: سئل [زيد] بن أرقم عن أهل بيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: آل علي، وآل عباس، وآل عقيل، وآل جعفر. وتكون هذه الوصية على ما يصل أهل بيته من قبل أبيه وأمه، وهو على ما كان يصل، هذه حكاية ابنه صالح عنه .

                                                                                                                                                                              وقال الأثرم : قيل: [ لأبي عبد الله ] : الرجل يوصي لأهل بيته فقال: من يلقاه إلى ثلاثة آباء، واحتج بحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب . [ ص: 45 ]

                                                                                                                                                                              7036 - حدثنا يحيى بن محمد قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه" .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لي، ولا لأهل بيتي " فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضا من الصدقة التي حرمت عليهم، فكان ذوي القربى الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل بيته هم بنو هاشم خاصة هم الذين يلقون النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة آباء، وأعطى بني المطلب بالحلف لقوله: "حليف القوم منهم" وكان بنو عبد مناف أربعة: عبد شمس وهو جد عثمان، ونوفل وهو جد جبير بن مطعم، والمطلب وهاشم فكلهم بنو عبد مناف يلقون النبي صلى الله عليه وسلم إلى أربعة آباء فلم يدخلوا في أهل بيته الذين حرم الصدقة عليهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد ذكرنا حديث جبير بن مطعم، وأما حديث زيد بن أرقم: [ ص: 46 ] .

                                                                                                                                                                              7037 - فحدثنا يحيى بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال: حدثنا حسان بن إبراهيم قال: حدثنا سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان قال: دخلنا على زيد بن أرقم فقلنا: لقد رأيت خيرا صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بواد بين مكة والمدينة يدعى: خم، فخطبنا ثم قال: "إنما أنا بشر، وأوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإني تارك فيهم - ذكر كلمة - أحدهما كتاب الله حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، ثم أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثم أهل بيتي أذكركم الله قال: قلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل ".

                                                                                                                                                                              7038 - حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا قيس، عن يزيد بن حيان قال: سألت زيد بن أرقم عن آل محمد فقال: آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل .

                                                                                                                                                                              قال يعقوب ومحمد : إذا وصى لفقراء أهل بيته فهو لكل من ينتسب إلى أقصى جد في الإسلام يجمعهم من قبل الرجال . [ ص: 47 ]

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب ومحمد : القرابة كل أب يجمعهم منذ كان الإسلام من قبل أبيه وأمه، وكذلك كل ذي رحم الثلث بينهم سواء، وإن كان بعضهم أقرب من بعض، في قول يعقوب ومحمد، وأما في قول النعمان فهو الأقرب فالأقرب كما وصفت .

                                                                                                                                                                              وحكي عن يعقوب أنه قال: فقراء أهل بيته الأب الذي يجمعهم، وأباه منذ [كانت] الهجرة ونزلت الفرائض والأحكام، فإن كان الأب الذي جمعهم على غير الإسلام فهو سواء، آل عباس أهل بيت، وآل علي أهل بيت، وآل جعفر أهل بيت، وآل أبي بكر أهل بيت، وآل عمر أهل بيت، وعلى هذا المثال، ولو أوصى لأهله ولم يقل أهل بيتي فهذا لمن كان في عياله ممن لا يرث، فإن كان لا عيال له فهذا على أهل بيته .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: إذا أوصى بثلثه في عشيرته أو قومه فكانوا يحصون كان على عدد الرؤوس، وإن كانوا لا يحصون يجزئ أن يعطى ثلاثة منهم فصاعدا .

                                                                                                                                                                              وحكي عن الكوفي أنه قال: إن لم يحصوا فالوصية باطل . [ ص: 48 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية