الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر التوقيت في المهور واختلاف أهل العلم في ذلك

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في أدنى ما يجوز من الصداق .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا وقت في الصداق كثر أو قل . [ ص: 332 ]

                                                                                                                                                                              7245 - روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لو أصدقها سوطا لحلت له .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن: هو على ما تراضوا عليه من قليل أو كثير، ولا يوقت شيئا .

                                                                                                                                                                              وقال عمرو بن دينار وعبد الكريم: أدنى الصداق ما تراضوا به. وهذا مذهب الثوري، والشافعي رحمه الله وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا نرى أن يكون المهر أقل من ربع دينار. كذلك قال مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم. هذا قول أصحاب الرأي . [ ص: 333 ]

                                                                                                                                                                              وحكي عن ابن شبرمة أنه قال: أقل المهر خمس الدراهم .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : كل نكاح وقع على درهم فما فوقه لا ينقضه حاكم. وقال أبو عمرو : فالصداق عندنا ما تراضيا عليه الزوجان من قليل أو كثير .

                                                                                                                                                                              وحكي عن [ النخعي ] ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه كره أن يتزوج بأقل من أربعين درهما .

                                                                                                                                                                              وحكي أنه قال: السنة في الصداق الرطل من الذهب .

                                                                                                                                                                              وحكي عنه أنه قال: أكره أن يكون مثل مهر البغي، ولكن العشرة والعشرين. وكان سعيد بن جبير يحب أن يكون الصداق خمسين درهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي به نقول أن الصداق ما تراضيا عليه الزوجان، [ ص: 334 ] وقد ذكر الله الصداق في غير آية من كتابه، ولو كان لأقل من ذلك وقت لبينه في كتابه، أو على لسان نبيه، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "التمس ولو خاتما من حديد ". وقال - جل وعز - : ( فنصف ما فرضتم ) ففي هذه الآية الدليل على إجازة النكاح بغير تسمية، ولو كان للصداق حد معلوم ما جاز فيه التفويض، وقد أجاز في حديث سهل بن سعد النكاح على تعليم ما ذكر في الحديث من القرآن، وليس لأحد أن يحد حدا، ولا يوقت توقيتا في شيء من فرائض الله إلا بحجة من كتاب الله أو سنة أو إجماع .

                                                                                                                                                                              7246 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا القعنبي ، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت له: يا رسول الله، إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ " فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا ". قال: ما أجد شيئا. قال: "التمس ولو خاتما من حديد "، فالتمس فلم يجد شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن شيء؟ " قال: نعم سورة كذا وسورة كذا - لسورة سماها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد زوجتكها بما معك من القرآن " . [ ص: 335 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هذا الحديث يدخل على من زعم أن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم إذ خاتم من حديد لا يسوى عشرة الدراهم، ويلزم من قال: إن المهر لا يكون أقل من ربع دينار، مثل ما لزم من جعل عشر الدراهم حدا لأقل المهر، وينفي هذا الحديث توقيت المهر، وفيه أن السلطان يقوم مقام الولي في عقد نكاح النساء، ودل هذا الحديث على صحة عقد النكاح وإن لم يتقدمه خطبة، لأنه لا ذكر للخطبة في حديث سهل بن سعد، وفيه إباحة تزويج المرأة بأن يعلمها قرآنا فيكون ذلك صداقها، وإباحة أن تعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وإباحة تزويج الرجل المعسر الذي لا شيء له .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية