الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الجمع بين الأختين

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم أن عقد نكاح الأختين لا يجوز لقول الله - جل ثناؤه - : ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) .

                                                                                                                                                                              وأجمعوا أن شراء الأختين الأمتين أو المرأة وابنتها صفقة واحدة [ ص: 493 ] جائز. وكره أكثر أهل العلم الجمع بين الأختين الأمتين بالوطء .

                                                                                                                                                                              روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن المرأة وابنتها مما ملكت اليمين، هل يطأ إحداهما بعد الأخرى؟ قال: فنهاه عنهما نهيا، قال: ما أحب أن يخبرهما جميعا .

                                                                                                                                                                              وقال عثمان في الأختين من ملك اليمين أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك .

                                                                                                                                                                              وروي عن علي أنه قال: يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر، إلا العدد . [ ص: 494 ]

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن عمار بن ياسر ، وكذلك قال ابن سيرين وروي عنه أنه قال في جاريتين أختين: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأنا أنهى عنها نفسي وولدي .

                                                                                                                                                                              وروي عن ابن مسعود أنه كره ذلك فقال له رجل: يقول الله عز وجل: ( أو ما ملكت أيمانكم ) ، فقال ابن مسعود : وبعيرك مما ملكت يمينك .

                                                                                                                                                                              وروي عن معاوية أنه نهى عن ذلك .

                                                                                                                                                                              وممن كره الجمع بين الأختين: جابر بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح ، وطاوس .

                                                                                                                                                                              ونهى عن ذلك الأوزاعي ، وبه قال مالك، وعبد الملك [ ص: 495 ] الماجشون والشافعي رحمه الله وقال إسحاق : حرام لقول الله: ( وأن تجمعوا بين الأختين ) ، واختلف فيه عن أحمد بن حنبل فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال: لا أقول حرام ولكنه ينهى عنه، وقال أبو داود : قال أحمد: لا يجمع بينهما. وكذلك قال أبو ثور ، وحكي ذلك عن الكوفي . واختلف في هذا الباب عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              فروي عنه أنه رخص في ذلك. وروي عنه أنه قال: حرمتهما آية، وأحلتهما آية أخرى، ولم أكن أفعله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ونحن نكره في ذلك ما كرهه من سميناه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وقد ذكرت أسانيد هذه الأخبار في كتاب الاستبراء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإن ملك رجل أختين مملوكتين فوطئ إحداهما، ثم أراد وطء الأخرى لم يجز له وطؤها عند أكثر أهل العلم، حتى تخرج التي وطئ من ملكه ببيع، أو عتق، أو ما يحرم فرجها عليه . [ ص: 496 ]

                                                                                                                                                                              روي عن علي أنه قال: إذا وطئ إحداهما لم يطأ الأخرى حتى يخرجها من ملكه .

                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عمر أنه فعل ذلك، أخرجها من ملكه حين أراد أن يطأ الأخرى .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال الحسن: لا يغشى الأخرى حتى تخرج من ملكه. وقال الأوزاعي : لا يطأ الأخرى حتى يعتقها أو يبيعها. قال الشافعي رحمه الله: لا يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي كان يطأ بنكاح أو كتابة أو خروج من ملكه. قال أحمد: إذا خرجت من ملكه بنكاح حرمها على نفسه وطئ الأخرى، وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أنه إذا غشي إحداهما ثم أراد يغشى الأخرى يعتزلها ولا يغشى أختها حتى تنقضي عدة هذه التي اعتزل، ثم إن شاء غشي الأخرى بعد أن يضمر في نفسه أن لا يقرب أختها. هكذا قال قتادة . [ ص: 497 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو إذا كانت عنده أختان [فلا] يقرب واحدة منهما، كذلك قال الحكم، وحماد ، وقال النخعي : لا يغشى واحدة منهما حتى تخرج الأخرى من ملكه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية