الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحيف في الوصية [الضرار] فيها .

                                                                                                                                                                              7016 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل يعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في الوصية، فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة" .

                                                                                                                                                                              قال ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم: ( تلك حدود الله ) إلى: ( وله عذاب مهين ) .

                                                                                                                                                                              وكان ابن عباس يقول: الضرار في الوصية من الكبائر، ثم قرأ: ( وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله ) .

                                                                                                                                                                              وقال: الحيف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر. وقد روينا عن ابن عباس أنه قال في قوله: ( فمن خاف من موص جنفا ) يعني: إثما يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته وحاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب .

                                                                                                                                                                              7017 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: الضرار في الوصية من الكبائر، ثم قرأ: ( تلك حدود الله ) . [ ص: 25 ]

                                                                                                                                                                              7018 - أخبرنا النجار قال: أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله: ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) قال: هو الرجل يوصي لولد ابنته يريد ابنته .

                                                                                                                                                                              7019 - حدثنا علان قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله: ( فمن خاف من موص جنفا ) يعني: إثما، يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب .

                                                                                                                                                                              وقال قتادة في هذه الآية قال: من أوصى بجور أو بحيف فردها ولي المتوفى إلى كتاب الله وإلى العدل قال: ذلك له أو إمام من أئمة المسلمين .

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق بن منصور : قلت - يعني لأحمد - : إذا اعتدى في وصيته يرد ذلك إلى الحق؟ قال: إي لعمري قال إسحاق كما قال .

                                                                                                                                                                              وقال مجاهد في قوله: ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) قال: هذا يحضر الرجل وهو يموت فإن أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصر قالوا: [ ص: 26 ] افعل كذا وأعط كذا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد : فإن [المعنى] في قوله: ( فأصلح بينهم فلا إثم عليه ) قال: يعني - والله أعلم - بين الورثة والموصى له إذا كان الميت قد جنف في وصيته. قال: ولم يذكر الورثة ولا الموصى لهم، ولكن اكتفى بالموصي لما قال: ( فمن خاف من موص ) ثم قال: ( فأصلح بينهم ) علم أن هاهنا وصية وورثة وموصى لهم فاكتفى بهذا .

                                                                                                                                                                              وروينا عن الضحاك أنه قال: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال الثوري .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء في قوله: ( جنفا ) : ميلا. وكذلك قال الكسائي .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد : ( جنفا ) أي جورا عن الحق وعدولا، قال: وقال عامر الخصفي :

                                                                                                                                                                              هم المولى وقد جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور

                                                                                                                                                                              جنفوا: جاروا . [ ص: 27 ]

                                                                                                                                                                              وكان طاوس يقول في قوله: ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) قال: هو الرجل يوصي لولد ابنته يريد ابنته .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قول طاوس هذا ينصرف على وجهين: إن كان أراد إذا قال الموصي الذي يوصي لولد ابنته: إنما أردت ابنتي بما أوصيت لولدها فذلك مردود، لاتفاق أهل العلم عليه، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث من أمرنا هذا ما ليس فيه فأمره مردود " .

                                                                                                                                                                              7020 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا شيئا ليس منه فأمره مردود" .

                                                                                                                                                                              والوجه الثاني: أن يوصي الرجل لولد ابنته، ولا يذكر في وصيته شيئا على خلاف ظاهر قوله، فالذي يجب عندي: إنفاذ ما أمر من الثلث، ولا يجوز رد ذلك، بأن يظن أنه أراد بذلك ابنته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الظن .

                                                                                                                                                                              7021 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا روح قال: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" .

                                                                                                                                                                              بل يستحب عندي أن يوصي الرجل لقرابته: [ ص: 28 ] .

                                                                                                                                                                              7022 - للذي روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصدقة على المساكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صلة وصدقة" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: والذي يجب أن يرد من الميل والجور وصية الرجل بأكثر من ثلث وصيته لبعض ورثته، أو أن يوصي في أبواب المعاصي كلها، وقد قيل: إن مما يجوز الصلح بين الورثة والموصى له: أن يوصي الميت بشيء بعينه لرجل، وتختلف الورثة والموصى له في قيمته، وليس في الموضع من يقوم بتقويم ذلك فيصلح الوصي بينهم إذا أشكل قيمة ذلك، أو يوصي الرجل بثلث جميع ما يخلف فيضيق على الموصي وعلى الموصى له، وعلى الورثة تحصيل الثلث من ذلك على الحقيقة من كل شيء، فيصلح بينهم الوصي، ويأمرهم بما فيه الصلاح للفريقين .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية