الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر وصية أهل الذمة

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن وصية الذمي للمسلم بما يجوز أن يملكه جائزة . [ ص: 155 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في غير ذلك من وصاياهم: فقال الشافعي رحمه الله وأصحاب الرأي، وأبو ثور : إذا أوصى النصراني بأكثر من ثلثه فجاءنا ورثته أبطلنا ما جاوز الثلث إن شاء الورثة، كما نبطله إذا شاء المسلم .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في وصية النصراني بثلث ماله، أو شيء من ذلك أن يبنى به كنيسة لصلاة النصارى، أو يستأجر به خدم الكنيسة، أو لعمارة، أو مصباح الكنيسة، وما أشبه ذلك .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: إن الوصية لا تجوز. وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا أوصى الذمي لبيعة أن ينفق عليها لإصلاحها أجزته، ولو أوصى بأرض له أن تبنى كنيسة، أو بيعة، أو بيت نار، جاز ذلك في قول النعمان، ولا يجوز ذلك في قول الشافعي رحمه الله ويعقوب، ومحمد بشيء من وصيته للبيعة، ولا للكنيسة، ولا لبيت النار في نفقة، ولا غيره، لأنها معصية .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله [يقول] : ولو [أوصى] يشترى بها خنازير، أو خمر [يتصدق] بها، أو أوصى بخنازير له، أو خمر أبطلنا هذه الوصية. وبه قال أبو ثور . [ ص: 156 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا أوصى بذلك للذمي أجزنا ذلك .

                                                                                                                                                                              وإذا أوصى ذمي إلى مسلم، فإن كان له خمر أو خنزير لم يحل لمسلم بيعه، ولا يوكل معه أحد. هذا قول أبي ثور، وهو على مذهب الشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: نجيز الوصية، فإن كان له خمر أو خنزير نزهت المسلم عن بيع ذلك، وينبغي للمسلم أن يوكل من أهل الذمة من يوثق بأمانته .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ووصية المسلم للذمي جائز في قول مالك، وأصحاب الرأي، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              وقد روينا إجازة ذلك عن شريح، والشعبي، به قال عطاء، ومحمد بن سيرين .

                                                                                                                                                                              وقال محمد ابن الحنفية، وقتادة في قوله: ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) ، قالا: هذه في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني. وكذلك قال عطاء . [ ص: 157 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وإذا دخل الرجل من أهل الحرب فأوصى بماله كله لرجل من المسلمين، أو غيره، فإن الثلث له جائز، ويكون الباقي في بيت المال، وهذا على مذهب الشافعي رحمه الله وبه نقول .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: ذلك جائز. ويدفعه إليه من قبل أن حكمنا لا يجري على ورثته، وإذا أشهد الذمي أهل الذمة على وصيته لم يجز في قول الشافعي رحمه الله وأبي ثور. وقال أصحاب الرأي: نجيز ذلك .

                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر: وليس للمكاتبين، ولا لأمهات الأولاد أن يوصوا في شيء مما بأيديهم، إلا بإذن ساداتهم، وبطيب أنفسهم بأن ينفذوا ذلك بعد وفاتهم .

                                                                                                                                                                              قال عمر بن عبد العزيز : لا تجوز وصية المكاتب. وروي ذلك عن الزهري . [ ص: 158 ]

                                                                                                                                                                              وروينا أن طهمان سأل ابن عباس : أيوصي العبد؟ قال: لا. وهذا قول الشافعي رحمه الله في المكاتب والعبد. وبه قال أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              7076 - حدثنا موسى قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب بن غرقدة، عن جندب، سأل [طهمان] ابن عباس : أيوصي العبد؟ قال: لا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا أوصى العبد فقال: إذا عتقت ثم مت: فثلثي لفلان، كان ذلك جائزا. وكذلك المكاتب والمدبر .

                                                                                                                                                                              قال يعقوب ومحمد كما قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان في العبد أو المكاتب إذا قال: إن مت فلفلان ثلثي، ثم عتق بعد ذلك، ثم أصاب مالا، ثم مات: لا تجوز وصيته .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية