الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الوليين يزوجان المرأة بأمرها

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قال عامة أهل العلم في وليين زوجا امرأة برضاها إن النكاح للأول إذا لم يكن دخل بها الآخر .

                                                                                                                                                                              7207 - روي ذلك عن شريح أنه قال: إذا نكح المجيزان فهو للأول، وكذلك قال الحسن والزهري وقتادة وابن سيرين [ ص: 297 ] ، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والثوري، والشافعي رحمه الله وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              فإن دخل بها الآخر ففي قول مالك : الذي دخل بها أولى .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال عطاء بن أبي رباح .

                                                                                                                                                                              وكان قتادة والثوري، والشافعي رحمه الله وأحمد، وإسحاق، والنعمان يقولون: إنها زوجة للأول .

                                                                                                                                                                              وروي هذا القول عن علي بن أبي طالب عليه السلام، وقال قتادة والشافعي رحمه الله وغيره: لها مهرها على الوطء، ولا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها .

                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر: هكذا أقول، إنها زوجة الأول، لأن نكاح الثاني [ ص: 298 ] لا يخلو من أحد معنيين: إما أن يكون باطلا، فالباطل لا يصير حقا بدخول غير الزوج عليها، أو يكون حقا، فلا معنى للحكم بها للأول إذا لم يدخل بها الثاني. فأما أن يقول قائل: إن الأول أحق إلا أن يدخل بها الثاني. فليس لذلك معنى، وفي هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان:

                                                                                                                                                                              7208 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تزوج الرجلان المرأة فالأول أحق، وإذا اشترى الرجلان معا فالأول أحق" .

                                                                                                                                                                              7209 - أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: أخبرنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنكح الوليان فالأول أحق" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذان الحديثان - وإن كان في إسنادهما مقال - فإنهما موافقان لقول أهل العلم . [ ص: 299 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الوليين يزوجان ولا يعلم أيهما زوج أول .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: يفرق بينهما، والفرقة أن يقول القاضي لهما: طلقها جميعا حتى تبين ممن كانت له زوجة، ثم يزوجها بعد من شاءت منكما. وقال سفيان الثوري : يجبر الزوجان كل واحد منهما على تطليقة، فإن أبيا فرق السلطان، ففرقة السلطان فرقة .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: النكاح مفسوخ ولا شيء لها من واحد من الزوجين . [ ص: 300 ]

                                                                                                                                                                              هكذا قال الشافعي رحمه الله وقال عطاء بن أبي رباح : نكاحهما مردود .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يفرق بينهما، وكذلك قال ابن القاسم صاحب مالك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: النكاح مفسوخ لاحتمال أن يكونا عقدا النكاح معا وفي وقت واحد، فإذا احتمل ذلك لم يجز إثبات ذلك إلا أن يعلم أن أحدهما قبل الآخر .

                                                                                                                                                                              7210 - وقد روي عن شريح، وعمر بن عبد العزيز ، وحماد بن أبي سليمان : أنها تخير، فأيهما اختارت فهو زوجها .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: إذا ادعى كل واحد منهما أنه أول، وصدقتهما أو أحدهما، لم يلتفت إلى تصديقها، ولا أثبت النكاح إلا ببينة، وإن لم تقطع البينة على أيهما أول، فسخت النكاح. هكذا قال إذ هو بالعراق. ثم قال بمصر فيما أخبر به الربيع عنه: ولو ادعيا عليها أنها تعلم أي نكاحهما أول كان القول قولها . [ ص: 301 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية