الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر نكاح المريض

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في نكاح المريض: فقالت طائفة: نكاحه جائز، روي أن الزبير بن العوام دخل على قدامة بن مظعون يعوده، فبشر الزبير بجارية وهو عنده فقال له قدامة: زوجنيها فزوجه إياها .

                                                                                                                                                                              7394 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أبو عبيد ، قال: حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال: دخل الزبير بن العوام على قدامة بن مظعون يعوده، فبشر الزبير بجارية وهو عنده فقال له قدامة: زوجنيها، فقال الزبير : وما تصنع بجارية صغيرة وأنت على هذه الحال؟ فقال: إن أنا عشت [فابنة] الزبير ، وإن مت فأحق من ورثني. قال: فزوجها إياه .

                                                                                                                                                                              وأجاز عبد الملك بن مروان نكاح مريض، وتزوج عبد الله بن أبي ربيعة ابنة حفص بن المغيرة وهو مريض، وممن كان يرى نكاح المريض جائزا: إبراهيم النخعي ، والشعبي ، والحسن البصري ، [ ص: 524 ] وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي. وهو مذهب الشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن من نكح وهو مريض لا ترثه إذا فعل ذلك ضرارا، هكذا قال الزهري .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول: إذا كان بالرجل من [المرض] ما يمنع فيه القضاء في ماله إلا في الثلث فلا أرى نكاحه جائزا، وأرى إن لم يدخل بها أن يفرق بينهما ولا مهر لها، فإن دخل بها فلها مهرها بما استحل من فرجها في ثلث ماله يبدأ به قبل الوصايا والعتق، ولا ميراث لها منه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو إن كان مضارا لم يجز وإن لم يكن مضارا جاز. حكي هذا القول عن القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله . وكان قتادة يقول: إن كان تزوجها من حاجة به إليها في خدمة أو قيام فإنها ترثه، وحكي عن ربيعة ، وابن أبي ليلى أنهما قالا: صداقها وميراثها في الثلث . [ ص: 525 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أباح الله - جل ذكره - النكاح في كتابه وندب إليه، فالنكاح مندوب إليه، والمريض غير ممنوع منه إذ لا حجة مع من منع المريض نكاحا مباحا ندب الله إليه .

                                                                                                                                                                              وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام لأحببت أن يكون معي امرأة .

                                                                                                                                                                              وروي عن معاذ أنه قال في مرضه الذي مات فيه وماتت امرأته: زوجوني فإني أكره أن ألقى الله عزبا .

                                                                                                                                                                              فهؤلاء مع ما ذكرنا مما أباح الكتاب والسنة النكاح جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحدا منهم خالفهم . [ ص: 526 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية