الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أحكام أبواب المفقود

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في امرأة المفقود كم تربص .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: تربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج. كذلك قال عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم وممن روي عنه أنه قال: تربص أربع سنين: علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وعطاء بن أبي رباح ، ومالك بن أنس ، وأهل المدينة ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو عبيد .

                                                                                                                                                                              7395 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، أن عمر وعثمان قضيا في المفقود أن امرأته تتربص أربع سنين، وأربعة أشهر وعشرا بعد ذلك، ثم تتزوج، فإن جاء زوجها الأول خير بين الصداق وبين امرأته .

                                                                                                                                                                              7396 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا أبو نضرة، أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن رجلا من الأنصار خرج عشاء من أهله يريد مسجد قومه [ ص: 527 ] فاستطير فالتمس فلم يوجد، فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فدعا قومه فسألهم عنه فحدثوه مثل ما حدثته امرأته. فقال لهم: أفما سمعتم فيه ذكرا بعد؟ قالوا: لا. فأمرها أن تربص أربع سنين ففعلت، ثم أتته فأخبرته أنه لم يذكر لها ذكر، فدعا قومه فسألهم عن ذلك، فقالوا: ما ذكر لنا منه ذكر، فأمرها عمر فتزوجت، ثم جاء زوجها الأول بعد ذلك فأتى عمر فقال: أزوجت امرأتي؟ فقال عمر: لم أفعل، فدعاها عمر فقالت: أنا المرأة التي أخبرتك بذهاب زوجي فأمرتني أن أتربص أربع سنين ففعلت، ثم أتيتك فأمرتني أن أتزوج ففعلت. فقال عمر: ينطلق أحدكم يغيب عن أهله أربع سنين ليس بغاز ولا تاجر. فقال له الرجل: إني خرجت عشاء من أهلي أريد مسجد قومي فأسبتني الجن، فكنت فيهم حتى غزاهم جن مسلمون، فأصابوني في السبي، فسألوني عن ديني فأخبرتهم أني مسلم، فخيروني بين أن يردوني إلى قومي، وبين أن أمكث معهم ويواسوني، فاخترت أن يردوني إلى قومي، فبعثوا نفرا، أما الليل فرجال يحدثوني، وأما النهار فعصار ريح أتبعها حتى هبطت إليكم. فقال له عمر: فما كان طعامك فيهم؟ قال : ما لم يذكر اسم الله عليه وهذا الفول، فخيرني عمر بين المهر وبين المرأة . [ ص: 528 ]

                                                                                                                                                                              7397 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا قتادة ، عن خلاس بن عمرو أن عليا قال: امرأة المفقود تعتد أربع سنين، ثم يطلقها الولي، ثم تعتد بعد أربعة أشهر وعشرا، فإذا جاء زوجها خير بين الصداق وبين امرأته .

                                                                                                                                                                              7398 - حدثنا يحيى بن محمد قال: حدثنا الحجبي قال: حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن [زيد ] قال: سمعت عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس يقولان: تنتظر التي تفقد زوجها أربع سنين .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن امرأة المفقود لا تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته .

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي خلاف الرواية التي هي موافقة لقول سائر من ذكرنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا [ ص: 529 ] القول قال الشافعي رحمه الله وكذلك قال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة، وأبو يوسف ، ومحمد . وقد احتج بعض من يقول بالقول الأول بأن اتباع خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر، وعثمان ، وعلي، وابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنه أولى بنا .

                                                                                                                                                                              ودفع أحمد حديث أبي عوانة الذي ذكرناه من غير هذا الكتاب عن علي، وقال: ولم يتابع أبا عوانة عليه أحد، وقال بعضهم: ومن حيث وجب تأجيل العنين حولا تقليدا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن مسعود وجب كذلك تأجيل امرأة المفقود، لأن العدد الذين رأوا أن تؤجل امرأة المفقود أربع سنين أكثر من العدد الذين رأوا أن يؤجل العنين سنة، ومن حجة بعض من لا يرى التفريق بينهما أن يقول: لا يجوز أن يفرق بين زوجين باختلاف، لأن الزوجية ثابتة إلا أن يجمعوا على زوالها، ولا يجوز إيجاب العدة على امرأة إلا مطلقة أو متوفى عنها، أو يوجب ذلك كتاب أو سنة أو إجماع. وفي هذا الباب كلام وحجج فذكرتها في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب . [ ص: 530 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية