الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب وصية الرجل بالعدد المعلوم في المال الكثير من غير تمييز ولا وقوف على شخص بعينه يعرف

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يوصي للرجل بعشر من إبله .

                                                                                                                                                                              فكان مالك يقول: إذا أوصى له بعشرة من إبله، ولم يسمها بأعيانها، وله إبل كثير، أرى أن يقوم الإبل كلها، يقوم كل بعير قدر ما يساوي، فإن كانت الإبل مائة: أعطي من ذلك العشر من قيمة الإبل. وإن أقل من ذلك، أو أكثر، فعل هذا الحساب. وإن وقع أقل من عشرة أباعر أو أكثر إذا أعطي عشرة أخرى، فهو حقه .

                                                                                                                                                                              قال مالك: والنخل، والدواب، والرقيق مثل ذلك .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: وإذا قال: أعطوه عبدا من رقيقي، أعطوه أي عبد شاؤوا. وكذلك لو قال: أعطوه شاة من غنمي، أعطوه أي شاة شاؤوا . [ ص: 199 ]

                                                                                                                                                                              وكذلك لو قال: أعطوه بعيرا من إبلي، أو حمارا من حميري، أو بغلا من بغالي، أعطى الورثة أي ذلك شاؤوا مما سمى. ولو قال: أعطوه أحد رقيقي، أو بعض رقيقي، أو رأسا من رقيقي، أعطوه أي رأس شاؤوا من رقيقه ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، معيبا أو غير معيب .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي رحمه الله: إذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي، أو دابة من دوابي، فمات من رقيقه رأس، أو من دوابه دابة، فقال الورثة: هذا الذي أوصى لك به، (وقد) ثبت للموصى له عبد، أو رأس من رقيقه، فلا يبرؤون حتى يعطوه، إلا أن يهلك ذلك كله، فإن هلك ذلك كله، بطلت وصيته. ولو قال: أعطوه شاة من غنمي، أو بعيرا من إبلي، فلم يوجد له شيء من ذلك الصنف، بطلت الوصية، ولو قال: أعطوه شاة من مالي، قيل للورثة: أعطوه أي شاة شئتم إن كانت عندكم، أو اشتريتموها له صغيرة أو كبيرة، ضائنة أو ماعزة. ولو قال: أعطوه بعيرا أو ثورا من مالي، لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ولا بقرة .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا أوصى لرجل بثلث غنمه، فهلكت الغنم، أو قال: له شاة من غنمي، فهلكت الغنم، أو لم يكن له غنم من الأصل قبل موته، فالوصية باطل. وكذلك العروض كلها، ولو قال: له شاة من مالي وليس له غنم، فإن ذلك جائز، ويعطى قيمة شاة من الثلث وإن لم يكن له غنم، وإنما ينظر في ذلك إلى يوم يموت الموصي؛ لأنه إذا أوصى بشاة من غنمه، فإنما أوصى ببعض غنمه، فإذا هلكت الغنم فقد [ ص: 200 ] هلك ما أوصى له به منه، وكذلك العروض كلها، إذا أوصى له ببعضها، ولو قال: له ثوب من ثيابي، أو قفيز من حنطتي، ثم هلك ثيابه قبل موته، أو هلكت حنطته، فصار لا ثياب ولا حنطة، [فلا] وصية له .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية