الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الرضاعة التي يقع بها التحريم

                                                                                                                                                                              7429 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج ، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة ، أن أبا حذيفة تبنى سالما، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله: ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ) الآية. فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعرف له أب فمولى، وأخ في الدين، فجاءت سهلة فقالت: يا رسول الله أما ترى سالما يأوي معي ومع أبي حذيفة ويراني فضلا، وقد أنزل فيه ما قد علمت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة" .

                                                                                                                                                                              7430 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن مالك، عن ابن شهاب ، عن عروة، عن عائشة ، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة .... فذكر القصة .

                                                                                                                                                                              قال الزهري : فقال لها - فيما بلغنا والله أعلم - : أرضعيه خمس رضعات، فيحرم بلبنها، فأخذت بذلك عائشة ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة. وقلن: والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة إلا رخصة في رضاعة سالم وحده . [ ص: 558 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأكثر أهل العلم غير قائلين بقصة سالم هذا، ويحتجون في هذا بظاهر كتاب الله عز وجل وبالأخبار الثابتة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وبأخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو قول عوام أهل العلم، من أهل الحجاز ، والعراق ، والشام، ومصر، وغيرهم .

                                                                                                                                                                              وأما ما احتجوا به من كتاب الله - جل وعز - فقوله - جل ذكره - : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) فجعل الله - جل ذكره - تمام الرضاع حولين. ودل ذلك على أن لا حكم لما أرضعته المولود بعد الحولين، وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الرضاعة من المجاعة .

                                                                                                                                                                              7431 - حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أشعث بن سليم ، عن أبيه، عن مسروق ، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال: "انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة" .

                                                                                                                                                                              حدثنا علي، عن أبي عبيد قال: قوله: "إنما الرضاعة من المجاعة يقول: إن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن، إنما هو الصبي الرضيع، فأما الذي [يشبعه] من جوعه الطعام، فإن أرضعتموه فإن [ ص: 559 ] ذلك ليس برضاع. فمعنى الحديث إنما الرضاع ما كان في الحولين قبل الفطام" .

                                                                                                                                                                              7432 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا ابن فضيل ، حدثنا وكيع ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن أبي موسى ، عن أبيه، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم، وأنشز العظم" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وجاءت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقة لذلك: ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل أرضعت امرأته جارية له لتحرمها عليه: عزمت عليك لما رجعت فأوجعت ظهر امرأتك، وأوقعت جاريتك. وقال عبد الله بن عمر : لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير. وعن ابن مسعود أنه قال: إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم. وعن أبي هريرة : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء. وعن أم سلمة : يحرم من الرضاع ما كان في الثدي قبل الفطام. وقال ابن عباس : لا رضاع بعد فطام .

                                                                                                                                                                              7433 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم، عن ابن عمر ، أن امرأة أرضعت جارية لزوجها لتحرمها عليه، فأتى عمر فذكر ذلك له، فقال: عزمت عليك لما رجعت فأوجعت ظهر امرأتك، وأوقعت جاريتك . [ ص: 560 ]

                                                                                                                                                                              7434 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا القعنبي ، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: لا رضاعة إلا لمن أرضع في الصغر، ولا رضاعة لكبير .

                                                                                                                                                                              7435 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن أبي حصين ، عن أبي عطية الوادعي قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إنها كانت معي امرأتي، فحبس لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجه، فأتيت [أبا] موسى فسألته فقال: حرمت عليك. قال: فقام، وقمنا معه حتى انتهى إلى أبي موسى ، فقال: ما أفتيت هذا؟ فأخبره بالذي أفتاه. فقال ابن مسعود : وأخذ بيد الرجل. أرضيعا ترى هذا؟! إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم. فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم .

                                                                                                                                                                              7436 - حدثنا علي، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي أن أبا هريرة قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء . [ ص: 561 ]

                                                                                                                                                                              7437 - حدثنا علي، حدثنا أبو عبيد ، حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أم سلمة : أنها سئلت: ما يحرم من الرضاع؟ فقالت: ما كان في الثدي قبل الفطام .

                                                                                                                                                                              7438 - حدثنا علي، حدثنا أبو عبيد ، حدثنا أبو عبد الرحمن ، عن سفيان، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: لا رضاع بعد فطام .

                                                                                                                                                                              وبهذا نقول: وليس يخلو الأمر في قصة سالم، أن يكون منسوخا، أو خاصا لسالم، كما قالت أم سلمة ، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              وممن مذهبه أن لا رضاع إلا ما كان في حال الصغر: مالك ومن تبعه من أهل المدينة ، وسفيان الثوري ، وأهل العراق ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحابه، وأبو عبيد . [ ص: 562 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية