الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب جامع الوصايا

                                                                                                                                                                              وإذا اشترى الوصي للأيتام طعاما، أو كسوة من مال نفسه ليرجع به في مال اليتيم، فله أن يرجع بذلك في قول النعمان وأصحابه، وكذلك قال أبو ثور : ما لم يمنعه وارث، فإن منعه وارث رجع من ذلك بما كان ببينة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: والذي يشبه مذاهب الشافعي رحمه الله - لا يرجع بشيء اشتراه من مال نفسه، وهو متطوع بذلك، وإذا بلغ الأيتام، فقال الوصي: قد دفعت إليهم أموالهم يقيم الوصي البينة، وإلا غرم في قول مالك والشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يأمر وصيه أن يضع ثلث ماله حيث يرى: فقالت طائفة: يجعله حيث أراه الله جعله في سبيل الخير، ولا يأكله. هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : إذا قال: ثلث مالي صدقة عند موته، قسم على أهل الحاجة .

                                                                                                                                                                              وقال عبد الله بن عبد الله بن معمر في الوصية: من سمى جعلناها [ ص: 188 ] حيث سمى. ومن قال: حيث أمر الله جعلناها في قرابته .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : وإذا أوصى [الرجل] بثلثه إلى رجل يضعه حيث أحب، كان له أن يضعه حيث أحب كما جعل الله: لنفسه، ولولده، ولمن شاء. وإن جعله لبعض ورثة الميت كان ذلك جائزا، وليست هذه وصية للميت إنما هذا أمر الوصي أن يضعها حيث يشاء .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي كما قال أبو ثور، غير أنهم قالوا: وليس له أن يجعله لأحد من ورثته .

                                                                                                                                                                              وإذا أوصى أن يجعل دنانير في أبواب البر، فإن أحمد بن حنبل قال: يعجبني أن يجعل في ثلاثة أبواب من أبواب البر .

                                                                                                                                                                              هكذا رواه الأثرم عنه، وروى أبو داود عنه أنه قال: الغزو يبدأ به، فإن سمى: جعل فيما سمى .

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق بن راهويه : إذا أوصى إلى رجل بثلث ماله، فقال: ضعه حيث شئت، فمات الذي أوصى إليه قبل أن يضعها، فإن بعض أهل العلم قال: رجعت إلى ورثة الذي أوصى. وهذا مذهب ضعيف قال: يكن ذلك إلى الورثة أن يصرفوه في أنواع الخير، مما يجوز في [ ص: 189 ] الوصايا نحو المساكين، والقرب، وفي سبيل الله .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي رحمه الله يقول: إذا قال: ثلث مالي إلى فلان، يضعه حيث أراه الله، فليس له أن يأخذ لنفسه منه شيئا. وكذلك ليس له أن يعطيه وارثا للميت، لأنه إنما يجوز له منه ما كان يجوز للميت فلما لم يكن يجوز للميت أن يعطيه لم يجز لمن صيره إليه أن يعطي منه من لم يكن له أن يعطيه، وليس له أن يضعه فيما ليس للميت فيه نظر، ويسلك به سبيل الخير الذي يرجى أن يقربه إلى الله، واختار له أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يغني كل رجل منهم، وأحب إلي أن يعطي رضعاءه إن كان له رضيع دون جيرانه، لأن حرمة الرضاع تقابل حرمة النسب، ثم أحب أن يعطي جيرانه الأقرب منهم فالأقرب، وأقصى الجوار منتهى أربعين دارا من كل ناحية، ثم أحب أن يعطيه أفقر من يجد وأشده تعففا واستتارا، ولا يبقي في يديه منه شيئا يمكنه إخراجه ساعة من نهار .

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول: وإذا باع الرجل في مرضه بيعا، فأرخص فيه على صاحبه بفضل البيع إن مات هو وصية .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : يكون ما زاد على ثمنه وصية للبائع، وفي ثلثه، وبه قال الحسن بن صالح، وهو على مذهب الشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : في رجل قال في مرضه: أعطوا فلانا من [ ص: 190 ] (كيسي) مائة درهم، ولم يكن في أحد كيسيه شيء: يعطى مائة درهم من أحدهما. وبه قال أحمد، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية