الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر إنكاح الأوصياء

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في إنكاح الوصي الصغير أو الصغيرة اليتيمين .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ليس إلى الوصي من ذلك شيء . [ ص: 288 ]

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن الشعبي، والنخعي، والحارث العكلي ، والثوري، والشافعي رحمه الله وأحمد وإسحاق وأبي عبيد .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن إنكاح الوصي جائز .

                                                                                                                                                                              كذلك قال الحسن، وحماد بن أبي سليمان ، وروي ذلك عن شريح .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن الغلام يزوجه الأب والوصي، ولا يزوجه أحد من الأولياء غير الوصي والأب ووصي الوصي أيضا، فأما الجارية فلا يزوجها إلا أبوها، لا يزوجها أحد من الأولياء ولا الأوصياء حتى [ ص: 289 ] تبلغ المحيض، فإذا بلغت المحيض فزوجها الوصي برضاها جاز، وكذلك وصي الوصي إن زوجها برضاها فذلك جائز. هذا قول مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن مالك أنه قال: يزوج الوصي الصغيرة دون الأولياء إذا كان وصي الأب .

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: وهو أن الولي والوصي لا يرى لواحد منهما أن يزوج إلا [بمشاورة] صاحبه، فإن اختلفا رفعا أمرها إلى السلطان فيرى في ذلك رأيه، وروي هذا القول عن ابن شهاب .

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس: وهو أن الوصي إذا زوج الصغير أو الصغيرة وهو وليهما فهو جائز، ولهما الخيار إذا أدركا، ولو لم يكن لهما ولي ولم يكن الوصي بولي لم يكن النكاح [جائزا] من قبل الوصية، لأنه ليس بولي وليس يجوز على الصغير والصغيرة إلا نكاح الولي. هذا قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد احتج بعض من لا يرى لسائر الأولياء غير الأب إنكاح الصغار بأن الله عز وجل قال: ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم ) . [ ص: 290 ]

                                                                                                                                                                              وقد أجمع أهل العلم على أن اليتيمين قبل أن يعقد عليهما النكاح فرجاهما محظور محرم إلا بالمعنى الذي أباحه الله فأجمعوا أن عقد الأب عليهما النكاح جائز. واختلفوا في عقد سائر الأولياء عليهما، فغير جائز أن يباح [فرج] قد أجمعوا على تحريمه إلا بإجماع مثله، أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا معارض له، وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على إبطال هذا النكاح .

                                                                                                                                                                              7204 - حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا بشر بن بكر قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن". قالوا: وكيف إذنها يا رسول الله؟ قال: "الصمت" .

                                                                                                                                                                              فغير جائز أن يعقد نكاح بكر صغيرة ولا كبيرة إلا بإذنها على ظاهر هذا الحديث، إلا أن تخص السنة أو الإجماع بكرا صغيرة وكبيرة، فتستثنى تلك بإجماعهم، فلما ثبتت الأخبار بأنه صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة - زوجها إياه أبوها - كانت الصغيرة البكر مستثناة من جملة نهي النبي صلى الله عليه وسلم من تزوج الأبكار إلا بإذنهن، ويستعمل في سائر الأبكار، وكان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن " ولا يكون ذلك إلا أن تبلغ الحد الذي لاستئذانها معنى وهو البلوغ، لأنها قبل ذلك لا معنى لاستئذانها . [ ص: 291 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية