الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في البكر البالغ يزوجها أبوها بغير إذنها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في البكر البالغ يعقد عليها أبوها النكاح بغير إذنها فقالت طائفة: إنكاحه إياها جائز وإن لم يستأذنها، كذلك قال مالك بن أنس ، وابن أبي ليلى ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يجوز إنكاح الأب ابنته البكر البالغ إلا بإذنها، كذلك قال الأوزاعي، وسفيان الثوري .

                                                                                                                                                                              وحكي ذلك عن ابن شبرمة . [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                              وكذلك قال [ أبو ثور ] ، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي، وكذلك نقول، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قولا عاما: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر ". فكل من عقد نكاحا على غير ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل، لأنه الحجة على الخلق إلا أن يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استثنى من جملة قوله: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ". بكرا أو ثيبا فيستثنى ما استثنى، ويكون ما لم يستثنه مستعملا فيه قول: "لا تنكح البكر حتى تستأذن"، فلما ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه زوج عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة لا أمر لها في نفسها، كان عقد الأب على البكر في حال الصغر - وهي لا أمر لها في نفسها - جائزا. وكان ذلك مستثنى من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن". فإذا خرجت البكر عن حال الصغر إلى أن يصير لاستئذانها معنى، إذا صارت في حال البلوغ وصار أمرها في مالها [جائزا] خلاف الحال التي لم يكن لها أمر في مالها، لم يجز عقد النكاح عليها إلا بإذنها، داخلة في جملة من قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن " غير خارجة منه سنة ولا إجماعا . [ ص: 274 ]

                                                                                                                                                                              7190 - حدثنا موسى قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا جرير بن حازم ، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس ، أن بكرا زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما .

                                                                                                                                                                              7191 - حدثنا علان بن المغيرة قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن جابر، أن رجلا زوج ابنته وهي بكر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الولي غير الأب يزوج البكر البالغ فتقول: زوجني بغير إذني، وقال الزوج: بل أذنت، ففي قول الشافعي رحمه الله وأبي ثور، [ ص: 275 ] وأبي يوسف ومحمد بن الحسن : تستحلف فإذا حلفت بطل النكاح .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي حنيفة : لا يمين عليها، فإن لم تحلف ففي قول الشافعي رحمه الله وأبي ثور يحلف الزوج ويثبت النكاح، وفي قول أبي يوسف ومحمد : يلزمها النكاح إذا نكلت .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية