الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أبواب الشهود في النكاح

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في عقد النكاح بغير شهود .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد. كذلك قال ابن عباس .

                                                                                                                                                                              7216 - أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن عثمان بن [خثيم] ، عن سعيد بن جبير ومجاهد ، عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد .

                                                                                                                                                                              7217 - حدثنا يحيى قال: أخبرنا الحجبي قال: حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال: البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة . [ ص: 314 ]

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : لا نكاح إلا بشاهدين. وكذلك قال النخعي ، وجابر بن زيد ، وقتادة ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وبه قال سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي رحمه الله وأحمد بن حنبل . [ ص: 315 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: النكاح جائز بغير شهود. كذلك قال عبد الله بن إدريس، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويزيد بن هارون، وأبو ثور ، وبه قال عبيد الله بن الحسن .

                                                                                                                                                                              وقد روي عن ابن عمر أنه زوج ولم يحضر النكاح شاهدين .

                                                                                                                                                                              وروي أن الحسن بن علي زوج عبد الله بن الزبير ، وما معهما أحد من الناس، ثم أعلنوه بعد ذلك .

                                                                                                                                                                              7220 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع، عن حبيب مولى عروة بن الزبير قال: بعثني عروة إلى عبد الله بن عمر لنخطب له ابنة عبد الله، فقال عبد الله: نعم، إن عروة لأهل أن يزوج، ثم [قال: ادعه] ، فدعوته، فلم يبرح حتى زوجه. قال حبيب: وما شهد ذلك غيري وعروة وعبد الله، ولكنهم أظهروه بعد ذلك وأعلموا به الناس . [ ص: 316 ]

                                                                                                                                                                              7221 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثني أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير خطب إلى الحسن بن علي ، فواعده ضفة زمزم فزوجه، وما معهما أحد من الناس ثم أعلنوه بعد ذلك.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر :

                                                                                                                                                                              7222 - روى هذا الحديث عفان، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن عروة أن عبد الله بن الزبير .... فذكر مثله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإن حمزة بن عبد الله خطب علي ابنه إلى سالم بن عبد الله ، ابنته فزوجه وما معهما غيرهما .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: النكاح جائز بغير بينة إذا أعلنوه، روي هذا القول عن الزهري ، وبه قال مالك بن أنس وأهل المدينة .

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: وهو أن لا نكاح إلا بشاهدين، ويجوز أن يكونا أعميين، أو محدودين في قذف، أو فاسقين [وقال] هذا القائل: لو تزوج بشاهدين عبدين كان باطلا لا يجوز، هذا قول أصحاب الرأي، [ ص: 317 ] فأجازوا النكاح بشهادة الفاسقين، وقد اجتمع أهل العلم على رد شهادتهم، وأبطلوا النكاح بشهادة العبدين، وقد اختلف أهل العلم في قبول شهادتهم، والنظر دال على أن شهادتهم مقبولة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات الشاهدين في النكاح خبر إلا حديث مرسل، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات الشاهدين [ ص: 318 ] لا تقوم به الحجة ولم يرفعه أكثرهم .

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن يزيد بن هارون أنه كان يعيب أصحاب الرأي بقوله: أمر الله بالإشهاد عند التبايع فقال: ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) وأمر بالنكاح، ولم يأمر بالإشهاد عند النكاح، فزعم أصحاب الرأي أن البيع الذي أمر الله بالإشهاد عنده جائز بغير شهود، وأن النكاح الذي لم يأمر بالإشهاد عنده لا يجوز إلا بشهود .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإيجاب الشهود في عقد النكاح إيجاب فرض، والفرائض لا يجوز إيجابها إلا بحجة، ولا حجة مع من أوجب الشاهدين عند عقد النكاح .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء الحديث الثابت الدال على إجازة النكاح بغير شهود . [ ص: 319 ]

                                                                                                                                                                              7223 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت، عن أنس قال: كنت رديف أبي طلحة يوم خيبر قال: ووقعت في [سهم] دحية جارية جميلة، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط والسمن. قال: وقال الناس: ما ندري أتزوجها أم جعلها أم ولد؟ فقالوا: إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير قال: فعرفوا أنه تزوجها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ففي هذا الحديث إذ استدل من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم على تزويج صفية بالحجاب دليل على إجازة النكاح بغير شهود، وفي إنكاح أبي بكر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها دليل على ذلك، إذ لا نعلم في شيء من الأخبار أن شاهدا حضر عقد ذلك النكاح، والأخبار التي رويت مرفوعة لحديث الرهاوي، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها ولحديث عبد الله بن محرر وغير ذلك [ ص: 320 ] واهية لا تثبت عند أهل المعرفة بالأخبار واختلفوا في عقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين فقالت طائفة: النكاح جائز، روي هذا القول عن عمر بإسناد غير ثابت، وكان الشعبي يجيز شهادة النساء مع الرجل في النكاح والطلاق وبه قال أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يجوز حتى يحضر شاهدي عدل، كذلك قال النخعي ، والأوزاعي والشافعي رحمه الله وأحمد. وفي القول الثابت الذي حكيناه: النكاح جائز إذا أعلنوه . [ ص: 321 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية