الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل من أبواب العتق في الوصايا

                                                                                                                                                                              وإذا أوصى الرجل لأمته أن تعتق على أن لا تتزوج ثم مات، فقالت: لا أتزوج، فإنها تعتق من ثلثه، فلو تزوجت بعد ذلك لم يبطل ذلك وصيتها من قبل أن عتقها قد وجب .

                                                                                                                                                                              وهذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي يقول: إذا سأل مملوك رجلا العتق، فقال: إنك تشرب الخمر فإن تركتها فلم تشربها فأنت حر، قال العبد: فإني قد تركتها، عتق وجاز نكاحه، وجازت شهادته، فإن شرب الخمر بعد ذلك لم ترد شهادته ولا نكاحه، ويقوم قيمة عدل، فيرد بها على سيده الذي أعتقه .

                                                                                                                                                                              وحكى ابن وهب ، عن الليث بن سعد أنه حدثه: أن هشاما أمير المؤمنين كتب في رجل أعتق عبدا له على أن لا يشرب الخمر، ثم شرب الخمر بعد ذلك؟ قال: أرى أن يرد في الرق ولا يعتق. قال: الليث: أرى أن يمضي عتقه، ولا يرد عبدا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وكذلك نقول . [ ص: 79 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يوصي لأم ولده بألف درهم على أن لا تتزوج، أو قال: إن لم تتزوج، أو على أن تبيت مع ولدي، فقبلت وفعلت ما شرط عليها بعد موته يوما أو أقل أو أكثر، فإن الوصية لها من ثلثه، فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل ذلك وصيتها في قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : يرجع عليها بالوصية. وهذه خلاف الأولى، ذلك حرية فمتى ثبت لم يرد حر في الرق. وهذا مال أو عمل، وإنما أعطى صاحبه على ذلك الشرط، فإن تم عليه كان له، وإن لم يتم بطل ما جعل له. والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وإذا أوصى الرجل بعتق عبده على أن لا يفارق ولده أبدا، وعليه دين يحيط بماله بطلت وصيته، وبيع في الدين، فإن أعتقوه الورثة لم يجز عتقهم. هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يوصي للرجل بمن يعتق على الموصى له إذا قبله. فحكى ابن القاسم عن مالك أنه قال: يعتق، وإن لم يقبله الموصى له. ويبدى على الوصايا، كما يبدى العتق على أهل الوصايا .

                                                                                                                                                                              وكان ابن القاسم يقول: ويكون ولاؤه للذي أوصى به، ولو قبل الموصى له الوصية عتق، وكان الولاء له، وقال هذا رأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وفيه قول ثان، وبه نقول وهو: أن لا يقع عليه العتق [ ص: 80 ] إلا بقبول الموصى له، وهذا يشبه مذهب الشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : وإذا قال فلان حر بعد (موته) بشهر فمات، هو من الثلث .

                                                                                                                                                                              قال الليث بن سعد : في رجل أوصى برقبة عليه فيوجد أبوه مملوكا، فيشترى فيعتق عنه أن ذلك يجزئ عنه .

                                                                                                                                                                              وحكى ابن أبي أوس عن مالك أنه قال: إذا أوصى أن تشترى رقبة فتعتق عنه، فيشتري أخوه ليعتق عنه: قال مالك : إن كان تطوعا فلا أرى بأسا. وإن كان من الرقاب الواجبة. فغير ذلك أحب إلي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قول الليث بن سعد صحيح .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية