الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر رجوع الزوج بالصداق على من غره

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يتزوج المرأة يدخل بها ثم يجد بها جنونا أو جذاما أو برصا، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: على وليها المهر لزوجها كما غره وقد ذكرت إسناده فيما مضى. وبه قال الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن الولي إن كان عالما بالعيب فالصداق عليه كما غره منها، وإن لم يعلم وهي امرأته إن شاء طلق، وإن شاء أمسك. وقال الزهري وقتادة : إن كان الولي علم غرم، وإلا استحلف بالله ما علم، ثم هو على الزوج .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله مالك قال: وإنما يكون ذلك لزوجها غرما إن كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، وأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو من العشيرة ممن لا يرى أنه يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها، ويترك قدر ما تستحل به .

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: وهو أن لا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها. هكذا قال الشافعي رحمه الله وقد كان يقول بقول مالك إذ هو بالعراق . [ ص: 427 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أما من رأى أن للزوج الخيار فحجته في ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن حجة من لا يرى التفريق بينهم أنهم قد أجمعوا أنهم إن وصفوها بالبصر فوجدت عمياء أو بالجمال فوجدت على غير ذلك أن لا خيار له، فحكم ما اختلفوا فيه من هذه العيوب حكم ما أجمعوا عليه من هذين العيبين، ولما فرقت السنة بين النكاح وبين البيوع في أن الحرة لا يتبرأ من عيوبها كما يتبرأ من عيوب الإماء، وأن نكاح الحرة جائز وإن لم توصف وترى، وليس كذلك شرى الإماء كان فرقا بينهما .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في سائر العيوب فكان إبراهيم النخعي يقول: لا ترد الحرة من عيب كما ترد الأمة. وقال الزهري في التي زنت وسرقت ولم يعلم: هي امرأته لا يفارقها ولا تفارقه. وحكي عن الثوري أنه قال في التي تزوجها على أنها شابة جميلة فإذا هي عجوز قبيحة: النكاح جائز والشرط باطل .

                                                                                                                                                                              وهذا على مذهب مالك والشافعي رحمه الله وقال الشعبي في التي تبغي قبل أن يدخل بها زوجها: النكاح كما هو . [ ص: 428 ]

                                                                                                                                                                              وهذا قول الشافعي رحمه الله وأحمد، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وقد روي أن رجلا خاصم إلى شريح فقال: إن هؤلاء قالوا لي: إنا نزوجك أحسن الناس، فجاؤوني بامرأة عمشاء. قال: إن كان دلس لك عيب لم يجز .

                                                                                                                                                                              وقال طاوس : لا يجوز الغرور. وقال عطاء في التي زنت أو سرقت ولم يعلم حتى نكحها، ثم أخبر قبل أن يجامعها قال: ليس لها شيء. وكان أبو ثور يقول: إذا تزوج امرأة وشرطوا أنها جميلة أو بصيرة فإذا هي عمياء أو مقطوعة اليد أو عوراء أو مفلوجة أو قبيحة فالقياس في ذلك كله أن له الرد إن كان فيه اختلاف، وإن كان إجماع فالإجماع أولى من النظر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ليس في شيء من ذلك خيار لهم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية