ولما بطل أن تكون المسنة تجب في غير المسان ، وكانت الماشية إذا كان فيها صغار وكبار فوجب فيها الزكاة ، ولم يؤخذ الصغار عن زكاتها وأخذ من الكبار عن زكاتها بمقدار ما وجب فيها ، وكانت إذا كانت صغارا وليس ما يؤخذ في الزكاة عن الكبار ، ولا من الكبار والصغار ، بطل بذلك أن تكون فيها زكاة أصلا ، كما كان  أبو حنيفة ،  ومحمد  يقولان في ذلك . 
ثم نظرنا في ذلك وتأملناه فلم نجده فيما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على قول من هذه الأقوال التي ذكرنا ، فوجدنا  يزيد بن سنان .  
 625  - قد حدثنا ، قال : حدثنا  محمد بن كثير العبدي ،  قال : حدثنا سليمان يعني ابن كثير ،  عن  الزهري ،  عن  عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،  عن  أبي هريرة -  رضي الله عنه - ، قال : لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان  أبو بكر  بعده ، وكفر من كفر من العرب قال  عمر :  يا أبا بكر ، كيف نقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " . 
قال  أبو بكر :  لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوا مني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها  [ ص: 309 ]  . 
قال  عمر :  فوالله ما هو إلا رأيت أن الله - عز وجل - شرح صدر  أبي بكر  بالقتال ، فعرفت أنه الحق .  
 626  - حدثنا يزيد ،  قال : حدثنا  عبد الله بن صالح ،  قال : حدثني  الليث ،  قال : حدثني عقيل ،  عن  ابن شهاب ،  قال : حدثني  عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،  أن  أبا هريرة  أخبره ، ثم ذكر مثله . 
 627  - حدثنا  أبو أمية ،  قال : حدثنا عمر بن عاصم الكلابي ،  قال : حدثنا أبو العوام عمران بن داود القطان ،  قال : حدثنا معمر بن أسد ،  عن  الزهري ،  عن  أنس ،  قال : لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب . 
قال : فقال  عمر :  يا أبا بكر ، ارتدت العرب ، قال : فقال  أبو بكر :  إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا منعوا مني دماءهم وأموالهم " والله لو منعوني عناقا كما كانوا يعطون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقاتلنهم عليه . 
قال : فقال  عمر :  فلما رأيت رأي  أبي بكر  قد شرح عرفت أنه الحق .  
وكان فيما روينا من هذا الحديث قول  أبي بكر :  والله لو منعوني عناقا كانوا يعطون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها ، فكان في ذلك ما يدل على أن العناق قد كانت تؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة . 
ولا اختلاف بين أهل العلم أن الغنم إذا كانت منها مسان وعنق ، أن صدقاتها مأخوذة من المسان لا من العنق ، فكان في ذلك ما قد دل أن العنق لم يكن يؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عنق لا مسان فيها ، فثبت بذلك القول الذي ذكرناه عن  أبي يوسف  من الأقوال التي ذكرناها في هذا الباب  [ ص: 310 ]  . 
وإن لم تكن هذه المواشي التي ذكرناها صغارا ، ولكنها كانت عجافا كلها ، وكانت عند رجل خمس من الإبل عجاف لا تساوي شاة ، فإن  أبا يوسف  كان يقول فيما روى عنه  الحسن بن زياد :  فيها واحد منها ، قال : ولا أوجب عليه واحدا من غيرها أكثر من واحد منها . 
وكان  محمد بن الحسن ،  يقول : أعتبر الأمر في ذلك ، فأقول : لو كان عنده خمس من الإبل أوساط لكانت عليه شاة وسط ، فإذا كانت عنده خمس من الإبل عجافا نظرت إلى خمسة من الأوساط ، فكانت قيمتها مائة درهم قيمة كل واحدة منها عشرون درهما ، ففيها شاة وسط قيمتها عشرة دراهم . 
فأعلم بذلك أن الشاة التي قيمتها عشرة دراهم إنما تجب في خمس من الإبل قيمتها مائة درهم ، فإذا كانت الإبل عجافا لا تساوي مائة درهم نظرت كم قيمتها من المائة الدرهم ؟ وكأنها مثلا عشرون درهما قيمة كل واحد منها أربعة دراهم ، فعلمت بذلك أن الذي في العشر من الواجب في المائة خمسة ، فأقول لصاحب الإبل الخمس العجاف عليك شاة قيمتها درهمان ، فإذا أديت إلى هذا المصدق شاة قيمتها درهمان قبلها منك ، وإن أديت إليه شركا من شاة يساوي ذلك الشرك منها درهمان قبله منك ، وإن أديت إليه درهمين قبلهما منك ، فكان هذا القول عندنا أحسن من قول  أبي يوسف  الذي رويناه عنه . 
واختلف أهل العلم في العدد من المواشي إذا كانت صغارا وكبارا ، وكانت عند رجل أقل من أربعين من الغنم مسان ، فكانت عنده صغار ، ويكمل بها العدد الذي تجب فيه الزكاة منها .  
فقال قائلون : فيها الزكاة وتعتد بصغارها . وممن قال بذلك منهم  أبو حنيفة ،   ومالك ،   وزفر ،   وأبو يوسف ،  ومحمد ،  رحمهم الله . 
وقال قائلون : لا يعتد بالصغار مع الكبار ، حتى تكون الكبار أربعين فصاعدا . وممن قال بذلك  الشافعي   - رضي الله عنه - . 
وهذا قول ما علمنا أحدا تقدمه فيه ، وقد دفع ذلك خبر  عمر بن الخطاب -  رضي الله عنه - ، لأنه أمر سفيان بن عبد الله الثقفي  حين بعثه مصدقا أن يعتد عليهم بالسخلة يحملها الراعي في كفه ، ولم يقدر في ذلك أربعين ، ولا غير أربعين وجعل ذلك مطلقا في كل المواشي ، ولا نعلم عمن أخذ هذا التفصيل  [ ص: 311 ]  . 
فأما حديث  عمر -  رضي الله عنه - الذي رويناه فقد خالفه ، وقد يكون عند الرجل الغنم من المسان في أول الحول أربعون منها ، يموت منها بعضها ، ثم تلد الباقيات منها قبل تمام الحول بيوم ، ما يكمل به الأربعون فيدخل ذلك في قول  عمر -  رضي الله عنه - : " احسبها عليهم ، وإن جاء بها الراعي يحملها في كفه " ، ويكون على صاحب هذه الأربعين التي قد كملت بالأولاد ما عليه في الأربعين التي مر عليها الحول كلها وهي في يده . 
وهكذا كان  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد ،  يقولون في هذا فيما حدثنا سليمان ،  عن أبيه ، عن محمد ،  عن  أبي حنيفة ،   وأبي يوسف   . 
قال محمد :  وهو قولنا . 
				
						
						
