الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  باب صدقة المواشي السائمة

                  وأما المواشي السائمة فلا اختلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة فيها ، وفي دخولها في آي الزكاة المذكورة في القرآن .

                  فأما ما كان منها من الغنم فلا شيء فيه حتى تكون أربعين ، فإذا كانت أربعين وحال عليها الحول ففيها شاة ، ثم كذلك فيما فوق الأربعين ، حتى تكون عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها شاتان ، ثم كذلك فيما فوق الإحدى والعشرين والمائة حتى تكون مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم كذلك فيما فوق المائتين والواحدة حتى تكون أربع مائة ، وإذا كانت أربع مائة ففيها أربع شياه ، ثم كذلك أبدا في كل مائة شاة شاة .

                  وهذا ما لا نعلم فيه اختلافا بين أهل العلم .

                  وأما ما كان منها من البقر فلا شيء فيه حتى تبلغ ثلاثين ، فإذا بلغت ثلاثين وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة منها ، ثم كذلك فيما فوق الثلاثين ، حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ، فما زاد على ذلك ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ، غير أنه قد روي عن أبي حنيفة فيما زاد على الأربعين من البقر قولان ، أحدهما : أن فيه الزكاة بحساب ذلك . حدثنا بذلك سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة [ ص: 295 ] .

                  والآخر : أنه لا شيء فيها حتى تكون ستين ، فيجب فيها تبيعان ، ثم كذلك ما زاد على كل عشرة ، فلا شيء فيه حتى تبلغ عشرة أخرى فتضم إليها فزكى على حساب كل ثلاثين تبيع ، وكل أربعين مسنة ، روى ذلك عنه أبو المنذر أسد بن عمرو البجلي ، وهو قول أبي يوسف ، ومحمد من رأيهما . حدثنا بذلك من قولهما سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف من رأيه ، وحدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد من رأيه .

                  وقد روي عن ابن المسيب ، وأبي قلابة ، والزهري ، وقتادة أنهم كانوا يقولون في خمس من البقر شاة ، ولم نحتج إلى ذكر أسانيد ذلك ، إذ كان هذا القول منهم من الشواذ ، ومما لا يلتفت إليه ، وإذ كان أهل العلم جميعا سواهم على خلاف قولهم في ذلك ، وإذ كان قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه من بعده خلاف قولهم في ذلك .

                  594 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا محمد بن حازم ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، وشقيق كلهم ، عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن " أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة " .

                  595 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عمار بن غزية ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره ، أن هذا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في فرائض البقر : " ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رابع ، والرابع الجذع إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة " .

                  596 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، قال : حدثني حميد بن قيس ، [ ص: 296 ] عن طاوس ، أن معاذا أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين بقرة مسنة ، وأتي بما دون ذلك ، فأبى أن يأخذ منه ، وقال : " لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله فيه " ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ .

                  597 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي - رضي الله عنه - " في ثلاثين بقرة تبيع ، وفي أربعين بقرة مسنة " .

                  في قصدهم في هذه الآثار إلى الثلاثين وإلى الأربعين دليل أن حكم ما دون كل واحد منها بخلافه .

                  ومما يدل على ذلك أيضا أن معاذا لما أتي بدون ذلك فلم يأخذ منه شيئا ، إذ كان ما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده من ذلك غير مبيح له أخذ الزكاة مما دون ذلك .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية