الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وكان من حجة من ذهب إلى إباحة الكلام في الصلاة للنائبة التي تنوب فيها :

                  405 - أن نصر بن مرزوق ، حدثنا ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن أيوب ، وابن عون ، وسلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر ، قال : وأكبر ظني أنه قد ذكر الظهر ، فصلى ركعتين ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ، فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى يعرف في وجهه الغضب .

                  قال : وخرج سرعان الناس ، فقالوا : قصرت الصلاة ، وفي الناس أبو بكر ، وعمر ، فهاباه أن يكلماه ، فقام رجل طويل اليدين ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسميه ذا اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ ، فقال : لم أنس ولم تقصر الصلاة ، فقال : بل نسيت يا رسول الله فأقبل على القوم ، فقال : صدق ذو اليدين ؟ قالوا : نعم فجاء فصلى بنا الركعتين الباقيتين ، ثم سلم ، ثم كبر ، ثم سجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر " .


                  قالوا : فلما كان أبو هريرة - رضي الله عنه - قد أخبر في حديثه هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم هذه الصلاة وكان منه فيها ومن كلامهم إياه فيها ، ومن [ ص: 216 ] رده عليهم وردهم عليه ما لم يخرجه منها وما لم يمنعه من البناء على ما مضى منها ، وإسلام أبي هريرة - رضي الله عنه - ، فإنما كان قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين كما :

                  406 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو القواريري ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : أتينا أبا هريرة - رضي الله عنه - ، فقلنا : حدثنا ، فقال : " صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين " .

                  407 - وكما حدثنا أبو أميه ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، قال : حدثنا خيثم بن عراك ، عن أبيه ، عن نفر من قومه ، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - " قدم المدينة هو ونفر من قومه .

                  قال : قدمنا وقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر واستخلف رجلا من بني غفار ، يقال له : سنباغ بن عرفطة ، فأتيناه وهو يصلي بالناس صلاة الغداة ، فقرأ في الركعة الأولى : كهيعص ، وفي الثانية : ويل للمطففين .

                  قال أبو هريرة : فأقول وأنا في الصلاة ، ويل لأبي فلان كان له مكيالان إذا اكتال بالوافي .

                  وإذا كال كال بالناقص ، فلما فرغنا من صلاتنا أتينا سنباغا فزودنا شيئا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد افتتح خيبر ، فكلم الناس فأشركونا في سهامهم ، قال : ونسخ الكلام في الصلاة فبمكة لابن مسعود لما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أرض الحبشة ، وكان قدومه عليه منها بمكة ، سلم عليه وهو يصلي فلم يرد عليه ، فلما فرغ ، قال له : " إن الله - عز وجل - يحدث من أمره ما شاء ، وإن مما أحدث أنه قضى ألا تتكلموا في الصلاة " .
                  دل ما ذكرنا أن ما كان من الكلام في الصلاة في حديث ذي اليدين غير داخل في النهي عن الكلام في الصلاة ، ودليل أن الكلام في الصلاة الذي نهي عنه فيها إنما هو لما سوى ذلك .

                  فكان من الحجة عليه للآخرين أن حديث ذي اليدين لو كان بعد حديث ابن مسعود ، لكان ناسخا له ولثبت به أن يتكلم الناس بجميع حوائجهم في الصلاة ، لأن الكلام الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وممن كلمه في حديث ذي اليدين لم يوقفنا [ ص: 217 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه أن ذلك الكلام لتلك الحادثة خاصة ، وأنه لا يجوز أن يتكلم به فيها ثان في الصلاة من غير أمرها ، ولو كان بينهما فرقان إذا لأوضحوه للناس ولعلموهم إياه ، بل قد علمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثي سهل بن سعد وأبي هريرة اللذين ذكرناهما ، التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ، عند النوائب التي تنوبهم في صلاتهم ، ولم يتجاوزهم بذلك إلى غيره من الكلام .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية