الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما ما احتج به من احتج في ذلك بإجارة العمل للغني على الصدقة ، والاجتعال على ذلك منها ، فإن ذلك غير مشبه لما شبهه به ، وذلك لأن الغني الذي ليس له المكان الذي ذكرناه من هاشم ، قد يجوز أن يفتقر فتحل له الصدقة بفقره إليها ، وكذلك يجوز أن تحل له الصدقة بعمله عليها ، وذو المكان من هاشم لو كان فقيرا لم تحل له الصدقة بفقره إليها ، وكذلك لا تحل له بعمله عليها .

                  وقد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في خروجه إلى اليمن عاملا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعماله سوى الصدقة ، منها القضاء كما :

                  802 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا سنان النحوي ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي ، عن علي - رضي الله عنه - ، قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، إنك بعثتني إلى قوم شيوخ ، ذوي سن ، وإني أخاف أن لا أصيب ، فقال : " الله - عز وجل - يثبت لسانك ، ويهدي قلبك " .

                  803 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي ، قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فقلت : إنك بعثتني إلى قوم أسن مني وكيف أقضي ؟ فقال : " اذهب فإن الله - عز وجل - يهدي قلبك ، ويثبت لسانك " .

                  804 - وكما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا شريك ، وزائدة ، وسليمان بن معاذ كلهم ، عن سماك بن حرب ، عن حنش ، عن علي - رضي الله عنه - ، [ ص: 385 ] قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا تقاضى إليك الرجلان ، فلا تقض للأول حتى تسمع ما يقول الآخر ، فإنك إذا سمعت ذلك عرفت كيف تقضي " ، قال علي - رضي الله عنه - : فما زلت قاضيا بعد .

                  وزاد سليمان : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه - ، " إن الله - عز وجل - يثبت لسانك ويهدي قلبك .

                  805 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن سماك ، عن حنش ، قال : قال علي : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، وأنا حديث السن ، فقلت : بعثتني وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ، فقال : " إن الله - عز وجل - هاد قلبك ولسانك ، فإذا جلس إليك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر ، فما شككت في قضاء بعد " .

                  ومنها الولاية على معادنها كما .

                  806 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سعيد بن مسروق أبي سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن نعيم ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عليا إلى اليمن ، فبعث إليه بذهب من تربتها ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة ، بين الأقرع بن حابس ، وعيينة بن بدر ، وزيد الخيل الطائي ، وعلقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، فغضبت قريش ، فقالت : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أعطيتهم أتألفهم " .

                  ومنها الولاية على غزو كفار أهلها كما .

                  807 - حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن عمران الطبراني ، المعروف بابن خلف ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ابن أبي عيينة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن بريدة ، قال : غزوت مع علي اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت عليا فتنقصته ، فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير ، فقال : " يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : " [ ص: 386 ] من كنت مولاه فعلي مولاه " .

                  فدل ما ذكرنا أن عليا كان في خروجه إلى اليمن لولاية أشياء دخلت فيها الصدقات وكان بتوليه تلك الأشياء كالخليفة الهاشمي في توليه إياها ليوليها غيره ممن ليس في نسبه ، فيرزقه منها ، ويتولاها بنفسه بلا رزق يرزقه منها ، ويكتفي بارتزاقه مما سواها ، وبسهمه مما يغنمه بقتاله ، وبسهمه بذوي قرباه .

                  وإن احتج محتج لمن ذهب إلى إجارة العمالة لمن موضعه من هاشم الموضع الذي ذكرنا بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أكله هدية بريرة التي تصدق بها عليها ، ومن قوله عند ذلك لما قيل له : إنك لا تأكل الصدقة : هي عليها صدقة ولنا هدية .

                  قال : وكذلك العامل على الصدقة ممن له من هاشم الموضع الذي ذكرنا ، العمالة من الذي أخذت منه الصدقة ، وهي للعامل عليها أجرة . .

                  قيل له : هذا لا يشبه ما شبهته به ، لأن العامل على الصدقة عمالته من الصدقة ، وهي خارجة من ملك المصدق بها إلى ملكه لا واسطة بينهما ، والصدقة عليه حرام مملكة إياها ، وهي صدقة من حيث ملكها عليه حرام ، وما تصدق به على بريرة فقد كانت ملكته صدقة عليها ، وخرج من ملك المصدق به عليها إلى ملكها ، ثم أهدته هي إلى من أهدته إليه فملكه عليها هدية .

                  وكان بين خروج الصدقة بذلك من ملك التصدق بها وبين وقوع ملك الذي أهدته بريرة إليه عليه ملك بريرة إياه ، فكان دخوله في ملك الذي أهدته من صدقة قد كانت ، فأنبت وانقطعت قبل ذلك وملك العامل على الصدقة عمالته من نفس الصدقة قبل إنباتها من ملك المصدق بها ، وانقطاعه عنها ، وإنما أنبت ذلك وانقطع بملكه إياه ، لا واسطة بينه وبينها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية