الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فأما أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، فكانوا يذهبون إلى أن آخر وقت العصر غروب الشمس ويحتجون في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما :

                  290 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " .

                  291 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمرو الزهراني ، قال : حدثنا مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، وبشر بن سعيد ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                  وقالوا : لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعله مدركا للعصر بهذين الحديثين ، ثبت أن آخر وقتها غروب الشمس فكان من الحجة عليه للآخرين عليهم في ذلك أن هذا الحديث قد عارضه نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند غروب الشمس . وذلك أن إبراهيم بن مرزوق :

                  292 - حدثنا ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا موسى بن علي بن رباح اللخمي ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : " ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن نصلي فيهن ، وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تصفر الشمس للغروب حتى تغرب " .

                  293 - حدثنا فهد ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا موسى بن علي ، قال : سمعت عقبة ، ثم ذكر مثله [ ص: 174 ] .

                  294 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، وإذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب " .

                  295 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله الصنابحي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها حتى إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها " " ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في تلك الساعات " .

                  296 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا مالك ، وزهير بن محمد ، قالا : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : سمعت عبد الله الصنابحي ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، فذكر مثله .

                  ففي هذه الآثار أن وقت اصفرار الشمس لا يصلى فيه ، فخرج بذلك أن يكون وقت العصر ، لأن سائر أوقات الصلوات سواء تقضى فيه الصلوات الفائتات ، ولا تقضى صلاة فائتة في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، عند اصفرار الشمس ، فثبت بذلك أنه غير وقت لصلاة العصر ، وهذا هو القول الصحيح عندنا في هذا الباب ، لا ما قاله أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد فيه .

                  وأما أول وقت المغرب فلا اختلاف بين أهل العلم علمناه أنه حين تغرب الشمس . وأما آخر وقتها فقد اختلف فيه ، فطائفة منهم تقول : إذا غاب الشفق ، ثم يختلفون في الشفق ما هو ؟ فيقول بعضهم هو الحمرة التي قبل البياض ، وممن قال بذلك منهم ابن أبي ليلى ، ومالك ، وسفيان الثوري ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وقد روي ذلك عن عبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس الأنصاريين .

                  297 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، قال : حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال : " كان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس يصليان في بيت المقدس ويريان [ ص: 175 ] الشفق الحمرة " .

                  وطائفة تقول : الشفق البياض الذي بعد الحمرة ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة .

                  ولما كان طلوع الشمس يتقدمه الفجر ، وغروبها يتلوه الشفق ، وكان في كل واحد منهما بياض وحمرة ، وكان إجماعهم أن صلاة الفجر إنما تجب بطلوعهما ، لا بطلوع أحدهما ، كان كذلك صلاة العشاء تجب بغروبهما ، لا بغروب أحدهما .

                  وطائفة تقول : وقت آخر وقت العشاء إلى طلوع الفجر ، فإن أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمد يذهبون أنه على ثلاثة أقسام فقسم منه من حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل ، وهو أفضل وقتها ، وقسم منه ما بعد ثلث الليل إلى تمام نصف الليل وهو في الفضل دون ذلك ، وقسم منه ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر ، وتأخير الصلاة إليه عندهم إساءة وتضييع ، ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء فيما روينا عنه في الآثار التي ذكرنا ، عند ثلث الليل ، وروي عنه في حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، وفي حديث أبي قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو ، أن آخر وقتها إلى نصف الليل .

                  ثبت بذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان أخرها إلى وقت الفضل من وقتها ، وثبت بحديثي أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو اللذين ذكرنا أن ما بعد ذلك إلى استغراق نصف الليل من وقتها وإن كان في الفضل دون الوقت الأول .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية