الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما قوله - عز وجل - : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) فقد قال قوم : إن ذلك على الحتم منه عليهم في قصر الصلاة في السفر ، وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، فجعلوا على المسافر في صلاته القصر ، ورووا في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي رويناه فيما تقدم منا في هذا الكتاب ، فرضت الصلاة ركعتين [ ص: 195 ] فأقرت في السفر وزيدت في صلاة الحضر وكان قوله - عز وجل - عندهم : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) كقوله - عز وجل - : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فلم يكن ذلك على إباحة ترك الطواف بهما ، بل كان على إثبات الطواف بهما في الحج والعمرة .

                  وقالوا : لما كان ما زيد على الركعتين فيما يقصر من الصلوات في قول من أباح الإتمام فيها ، إن شاء صلاه وإن شاء تركه ، دل ذلك على أنه ليس بفريضة ، لأن الفرائض ليس على الناس الاختيار بين تركها وبين الإتيان بها ، وإنما عليهم الإتيان بها حتما وفرضا .

                  وقال قوم : قوله : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) على إباحة القصر لمن شاء أن يقصر ، لا على الحتم عليهم بذلك ، وممن قال ذلك منهم : الشافعي ، وذلك أن نفي الجناح هاهنا كيفية قوله - عز وجل - : ( فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) في قوله : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ) وذلك كله على الإباحة لا على الحتم .

                  وكان القول الأول أولى عندنا لما قد عارض به أهله أهل هذا القول الثاني ، وبما قد أثبتوه من صفات الفرائض والنوافل في الفصل الأول .

                  وقال قائل : ظاهر الآية يدل على غير ما قد روي عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رويتموه عنها ، لأن فيها : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ولا تقصر إلا ما كان تاما قبل القصر .

                  قال : وقد روي عن جابر بن عبد الله ما يدل على هذا المعنى وذكر ما :

                  361 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن سليمان اليشكري ، أنه سأل جابر بن عبد الله عن قصر الصلاة في الخوف أي يوم أنزل وأين هو ؟ .

                  قال : انطلقنا نتلقى عير قريش أتته من الشام ، حتى إذا كنا بنخل ، جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد قال : " نعم " قال : تخافني ؟ قال : " لا " قال : فمن يمنعك مني ؟ قال : " الله - عز وجل - " . [ ص: 196 ] قال : فسل السيف فتهدده القوم وأوعدوه ، فنادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرحيل وأخذ السلاح ، ثم نودي بالصلاة فصلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بطائفة من القوم ، وطائفة أخرى يحرسونهم ، فصلى بالذين يلونه ركعتين ، ثم سلم ، ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم ، فقاموا في مصاف أصحابهم ، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ، ثم سلم ، وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات وللقوم ركعتان ، فيومئذ أنزل الله - عز وجل - في قصر الصلاة ، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح .


                  ففي هذا الحديث أن القصر في الصلاة طرأ على الإتمام .

                  فقيل له : ليس هذا عندنا بمخالف لحديث عائشة الذي قد ذكرنا ، لأنه قد يجوز أن يكون الفرض المتقدم في الصلاة كان ركعتين على ما في حديث عائشة رضي الله عنها ، ثم زيد فيها محملا فاستعمل ذلك في السفر وفي الحضر حين أنزل الله - عز وجل - هذه الآية في صلاة الخوف في السفر ، فأقر صلاة السفر على ما كانت عليه قبل الإتمام ، وجعل الزيادة الطارئة على الاقتصار في الحضر خاصة دون السفر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية