الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : ( وفي سبيل الله ) فهو المعونة لأهل سبيل الله ، وهي طاعته ، فمنهم المجاهدون فيدفع إليهم منها ما يستعينون به على جهادهم ، ويكون الذي يدفع إليهم من ذلك ملكا لهم ، ومن مات منهم بعد ملكه إياه قبل أن يصرفه في النفقة على نفسه في جهاده كان من تركته ، وجرى فيه ما يجرى في تركته .

                  فإن قال قائل : فكيف يملكه المدفوع إليه ؟ وإنما دفع إليه على أنه لسبيل الله - عز وجل - ؟ .

                  قيل له : لم يدفع إليه على أنه غير مالك له ، إنما دفع إليه ليملكه ، ثم يصرفه بعد ذلك في سبيل الله - عز وجل - [ ص: 368 ] .

                  ألا ترى أنه لو كان غنيا لم يجز أن يعطى من هذا شيئا إذا كانت الصدقة حراما عليه ، وإنما يعطاه إذا كان فقيرا ، وإذا أعسر فيما ذكرنا غنى المعطي وفقره لمن يكن ذلك إلا أنه يملك ما أعطى منه .

                  وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على هذا المعنى في ملك المعطى في سبيل الله - عز وجل - ما يعطى فيه :

                  769 - حدثنا يزيد بن سنان ، ونصر بن مرزوق ، وابن أبي داود ، قالوا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر كان يحدث ، أن عمر تصدق بفرس في سبيل الله ، فوجده يباع بعد ذلك ، فأراد أن يشتريه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأمره في ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تعد في صدقتك " .

                  770 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : سمعت عمر - رضي الله عنه - ، يقول : حملت على فرس في سبيل الله - عز وجل - ، فأضاعه الذي كان عنده ، فظننت أنه بائعه برخص ، فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم واحد ، ولا تعد في صدقتك ، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " .

                  771 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا خلف بن هشام البزار ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : حملت على فرس في سبيل الله ، وكنا إذا حملنا في سبيل الله أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدفعناه إليه فيضعه حيث أراه الله - عز وجل - ، فجئت بفرس فدفعتها إليه ، فحمل عليها رجلا من أصحابه ، فوافقته يبيعها في السوق ، فأردت أن أشتريها منه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " لا تشترها ، ولا تعد في صدقتك " . [ ص: 369 ] .

                  772 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عبد الله بن عمر ، عن الزبير بن العوام ، أنه " حمل على فرس في سبيل الله - عز وجل - ، فرأى فرسا أو مهرا فأراد شراءها فنهي عنها " .

                  773 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا الليث بن داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم بن عيينة ، عن يحيى بن الحراز ، عن عبد الله بن معقل ، عن أسامة بن زيد بن حارثة ، أنه " حمل على فرس في سبيل الله - عز وجل - ، فأراد أن يشتري فلوها فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

                  774 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الله بن أسامة أو زيد ، " حمل على فرس ، ثم ذكر مثله ولم يذكر يحيى بن الحراز .

                  أفلا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع المحمول على الفرس في سبيل الله من بيعها من غير الذي حمله عليها إذا كان قد ملكها ، وإنما منعه من الذي حمله عليها لكراهية أن يعود إلى ملكه شيء قد أخرجه من ملكه إلى الله - عز وجل - بإعادته إياه إلى ملكه .

                  ومنهم الحاج المنقطع بهم ، فيدفع إليهم منها ما يستعينون على حجهم ، ويكون الذي يدفع إليهم من ذلك ملكا لهم على مثل ما ذكرنا فيما يدفع إلى المجاهدين في سبيل الله . وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل هذا .

                  775 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أنس بن سيرين ، قال : أوصى إلي رجل بماله وقال : اجعله في سبيل الله ، فسألت ابن عمر ذلك ، فقال : " إن الحج من سبيل الله - عز وجل - ، فاجعله منه " .

                  776 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، قال : حدثنا مهدي بن ميمون ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن ابن أبي نعيم ، قال : كنت جالسا عند ابن عمر ، إذ أتته امرأة ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ، إن زوجي مات [ ص: 370 ] وأوصى بماله في سبيل الله - عز وجل - ، فقال : " أنفقيه على حجاج بيت الله - عز وجل - العتيق " .

                  فهذا ابن عمر قد جعل الحج من سبيل الله .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية